الوطن في ضمير الشرفاءكتاب من إصدار المؤلف والباحث الأستاذ / بدر بن علي العبد القادر ، وفي الحقيقة لو لم يكن من الكتاب سوى عنوانه لكفاه ، لما يحتويه من درر ثمينة تتغنى بحب الوطن ، و معلومات مغيبة عنّا،تهدف إلى تعميق حب الوطن في النفوس، وقد أجاد المؤلف فيه كثيرا، وأبدع حين بعث هذا الموضوع من مرقده،وأبرز كنوز المعرفة التي يحفل بها موروثنا الثقافي الإسلامي، في الوقت الذي يتعرض فيه شبابنا لحملات عنيفة تستهدف هويته، وانتماءه إلى هذا الوطن الغالي،ومما يميز الكتاب أن الكتاب بسيط في طرحه، غزير في مضمونه،لا تكاد تبدأ في تصفحه حتى يأسرك تناسق عباراته، وتسلسل أفكاره، وتحدر بيانه، كل موضوع فيه لا يدعك حتى يسلمك للذي يليه،ففيه طرح قيم،ينم عن سعة اطلاع ، ومعرفته بأبعاد الموضوع،وحب وتمجيد لهذا البلد المعطاء،وأعجبني غيرته الوطنية واعتزازه بوطنه، وفي الحقيقة كلما خطر لي هاجس أو معنى من معاني الوفاء للوطن وجدت المؤلف قد أفاض فيه عبر وقفات متناثرة في الكتاب جديرة أن تحفظ عن ظهر قلب، وأن تعلم لناشئتنا، إن فكرة الكتاب لهي بحق رائعة، وهي تحمل رسالة خاصة تحث على حفظ الجميل لهذا الوطن بحبه وتقديره، والحفاظ على مقدراته ، وطاعة ولاة أمره والدعاء لهم، فالكتاب هو أول كتاب من نوعيه يناقش قضية حب الوطن بتتبع منابع التأصيل ، والكتاب يقع في 222 صفحة ، من الحجم المتوسط ، وقد ناقش المؤلف فيه حب الوطن من خلال اثني عشر مبحثًا،جاء مبحثه الأول مذاكرة في حب الوطن والانتماء إليه من القران الكريم ،جمع المؤلف فيه كل الآيات القرآنية التي تدل على حب الوطن أو تشير إلى ذلك ،مع ذكر أقوال المفسرين فيها ،وبعض التعليقات من المؤلف ،مثل قوله في صفحة 23 :"وقد اقترن حبّ الديار في القرآن بحب النفس ، قال الله تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﮊ [النساء:66] . فالقرآن الكريم يصور ظاهرة حبِّ الوطن،والتمسك به تصويرًا رائعًا حين جعلَ الخروج من الدار مكافئًا لقتل النفس. وحين قرن الله - سبحانه وتعالى - بين قتل النفس والجلاء عن الوطن ، ظهرت دلالة محبة الأوطان والتعلق بها.
ولعلك تستبين المشَقَّة في الصورتين : قَتْل النفس ، والخروج من الدِّيار ، وكلتاهما عزيزتان على النفس في إشارة واضحة إلى أن الوطن قرين النفس ، وقريب من الروح. يقول أبو حيّان: "في الآية دليل على صعوبة الخروج من الديار ، إذ قرنه الله تعالى بقتل الأنفس ".
وقوله في صفحة 28 :"وحكمة الله ــ سبحانه وتعالى ــ تقتضي معاقبة العَبْيد بذنوبهم ، وقد يكون العقاب قاسيًا ، فيُسلبون كل عزيز عليهم ، وفي ذلك عِظة وعبرة لقوم يعلمون،فكم من قومٍ أُخرجوا من ديارهم فتشردوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا على مفارقة الديار والمساكن .يقول الله تعالى عن المحاربين وقطاع الطرق: ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ {المائدة:33} .أي يطردوا من بلد إلى بلد بحيث لا يتمكنون من القرار في موضع. يقول الشافعي: "يكفيه مفارقة الوطن والعشيرة خذلانًا وذُلاً؛ لأنه بالغربة سيتجرع مرارة الذنب ، وسقم الذُّل".
"فالتغريب عن الأوطان نوع من العقوبة ، كما يفعل بالزاني البِكر ، وهذا أقرب الأقوال لظاهر الآية . لأنه من المعلوم إنه لا يراد نَفْيَهم من جميع الأرض إلى السماء ، فعُلم أن المراد بالأرضِ أوطانهم التي تشقّ عليهم مفارقتها".كما أنَّ حكمة الله - سبحانه وتعالى - اقتضت أن يعاقب الزَّاني - غير المحصن - بالجلد مئة جلدة ، والتغريب عن الوطن عامًا كاملاً ، لما في ذلك من ألم حسيٍّ ومعنويٍّ على الجسد ، وعلى النفس البشرية التي فُطرت على حبِّ الوطن ، وجُبلت على الحنين إليه. وهذا من الأدلة الشرعية على أن حبَّ الوطن أمر مشروع ، يقول السيوطي - رحمه الله-: "والتهديد بالنفي من البلد إكراه على الأصح؛ لأن مفارقة الوطن شديدة" . وختم الكاتب مبحثه بوقفة بعنوان " هذا البلد الأمين" جاء فيها قوله :" من الأشياء التي نحمد الله - سبحانه وتعالى - عليها أنَّه أكرمنا بوطنٍ آمنٍ مطمئن ، يأتيه رزقه رغدًا من كل مكان ، وهيأ لنا فيه أسباب الرَّاحة والسعادة ، فقد كَبَتَ أعداءنا ، وأجاب دعاءنا ، وامتن علينا بهذه الحكومة العادلة التي أبعدتنا عن البدع والخرافات ، وجمعتنا على السنة والهدى ، و عملت وما زالت تعمل على راحتنا واطمئناننا ، ما لا قِبل لنا بشكره ولو صرفنا في ذلك العمر كله"
وجاء مبحثه الثاني "مذاكرة في حب الأنبياء لأوطانهم وحنينهم إليها" جمع فيه المؤلف جميع ما ذُكر في كتب السير والتاريخ من قصص تدل على حب الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – ثم أعقب ذلك بذكر الأحاديث التي تدل على حب الوطن ،وضرورة الانتماء إليه ، مع ذكر أقوال المفسرين ، والتعليق عليها ، مثل قوله في صفحة 39 :" ومحمدٌ - صلى الله عليه وسلم - كان محبًّا لوطنه ، كثير الحنين إليه في هجرته من مكة إلى المدينة ، فعيناه - صلى الله عليه وسلم - تغرورقان بالدموع حنينا إلى مكة ، وشوقًا إليها.وكُتب الحديث والتاريخ تعكس لنا بعض النماذج المشرّفة من سيرة خاتم المرسلين ، وتضرب لنا أروع الأمثلة ، وأنْبلَ القيم في حبِّ الوطن والحنين إليه ، والتعلق به.
فحين نزل الوحي على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال له ورقة بن نوفل عن قومه : " لتُكذِّبنه ، فلم يقل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئًا ، فقال ورقة: ولتُؤذينه ، فلم يقل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئًا ، ولم يُظهر انزعاجًا ، ولكن حين قال ورقة: ولتُخْرجنَّه ، ردَّ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ باستنكار لهذا الأمر بقوله: أو مُخرجيَّ هم ؟".فهنا تحركت كوامن النفس ، ومظاهر الحب ، ونوازع الفراق ، ووضُح إِلْف الوطن في القلوب. يقول السهيلي: " في هذا دليل على حب الوطن وشدة مفارقته على النفس ، فإنه قال له لتكذبنه فلم يقل شيئا، ثم قال ولتؤذينه فلم يقل له شيئا ، ثم قال ولتخرجنه ، فقال أو مخرجي هم".
وقوله في صفحة 40 :" ولا تفتأ تلاحظ حبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لوطنه ، وحنينه إليه ، بالسؤال عنه ، وتلمس أخباره ، فحين قدم أصيل الغفاري - رضي الله عنه - من مكة سألته عائشة رضي الله عنها: " كيف تركت مكة؟ فقال: تركتها وقد أخصبَ جنابها ، وابيضَّت بطحاؤها ، وأغدق إذخِرها ، وأسْلَتَ ثِمامُها ، وأبشر سلمها ". فاغرورقت عيناه - صلى الله عليه وسلم - وقال:" حَسْبُك يا أُصيل لا تُحْزنا". وفي رواية أخرى أشار إليها ابن حجر في الإصابة ، قال : قدم أصيل الهذلي ... ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :"ويْهًا يا أُصيل ، دع القلوب تَقِرُّ ". فانظر كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغلبه الشوق والحنين ، فلم يعد يحتمل السماع ، فيدعو أصيلاً إلى الكفِّ عن الحديث عن الوطن، ووصف مرابعه.يقول السُهيلي: "وفي هذا الخبر وما ذَكر من حنينهم إلى مكة، ما جُبلت عليه النفوس من حبِّ الوطن والحنين إليه".ثم ختم الكاتب المبحث بوقفة بعنوان :"مملكتنا قيادة ورياة"جاء فيها قوله :" حينما يُريد الله ـ سبحانه وتعالى ـ العزة والرِّفعة لأمة من الأمم ، فإنه يهيئ لها من خلقه أبطالًا أفذاذًا ، ورجالًا مخلصين ، وقادة ملهمين ، ليكونوا على موعد مع صناعة تاريخ جديد للبشرية ، وقيادة دولتهم إلى الرّفعة والمجد والسؤدد.وقد كانت بلادنا المباركة على موعد مع رجل بَزَّ أقرانه ، وفاق أهل عصره ، وسجل نفسه كأحد عظماء التاريخ ، وسلاطين المجد.كان الملك عبد العزيز - رحمه الله- على موعد مع كتابة تاريخ جديد لحقبة تاريخية مضيئة ، وتسطير ملحمة التطور والتضحيات ، لنُصرة الإسلام ، ونشر الشريعة السمحة ، والاعتصام بكتاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأفراح والأتراح ، ثم العمل على رفعة هذا الوطن، ونشر الأمن والأمان".
وجاء المبحث الثالث بعنوان "مذاكرة في حب الصحابة لأوطانهم وحنينهم إليها" جمع فيه المؤلف كل أقوال الصحابة التي تدل على حبهم لأوطانهم ،مع بعض التعليقات عليها، مثل قوله ص 51 :" هاجر الصحابة من مكة إلى المدينة في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى الرَّغم من أن هجرتهم في سبيل الله ، فإن هذا لم يفقدهم الشُّعور بالغربة ، وعدم الألفة ، والإحساس باختلاف الموطن الذي نزلوا به ، مما أدى إلى إصابتهم ببعض الأمراض في هذه البيئة الجديدة ، ولم يُفقدهم ذلك حبَّ وطنهم ، والحنين إليه ، فللوطن مكانة خاصة ، وحبٌّ متشرب في النفوس ، والحنين إليه أمر لا يُغلب ، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: " لما قَدِم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة ، وُعِكَ أبو بكر وبلال ، قالت: فدخلت عليهما. فقلت: يا أبتِ ، كيف تجدك ، ويا بلال كيف تجِدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمَّى يقول:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبِّحٌ فِي أَهْلِهِ والمَوتُ أدْنى مِن شِرَاكِ نَعْلِهِ
وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمَّى يرفع عقيرته ـ صوته ـ ويقول:
ألا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيْتَنَّ لَيْلةً
وهَـــل أَرِدَنْ يَـوْمًـا مِيـــاهَ مَجـِنَّةٍ؟
بِوادٍ وحَــوْلِي إذْخِـــرٌ وجَلِــيْلُ؟
وهَل يَبْدون لِي شَامَةٌ وطَفِيْلُ؟
ويقول: "اللهم العن شيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء". والإذخر وجليل وشامة وطفيل : مواضع بمكة. ولعلك تلحظ جميل صنعهم وهم في صراع مع المرض، لم يلههم ذلك عن حبِّ وطنهم والحنين إليه ، وما أحوجنا نحن المقصرين في حقِّ وطننا إلى ذلك الحبِّ والحنين والشوق.
تقول عائشة ــ رضي الله عنها ــ فجئت رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فأخبرته ، فقال: "اللَّهم حَبِّب إلينا المدينة كحبِّنا مكة أو أشد... إلخ" . فبلال ــ رضي الله عنه ــ على الرغم مما أصابه من المرض يتذكر بلده مكة ، ويتمنى الرجوع إلى وطنه ، وأن يبيت فيها ليلة ، أو يذهب يومًا إلى بعض أماكنها ،وهذا فرع عن حبه لها، ثم يتذكر من كان السبب في هذه الغربة والخروج من الوطن ، فيذكرهم بأسمائهم مصحوبين باللعنة والتَّقبيح ، كل ذلك ، والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يشارك بلالاً شعوره ، ويشاطره أحاسيسه ، ويقاسمه حنينه ووجْده وشجونه.
قال ابن حجر :" وقوله : "كما أخرجونا " أي : أخرجهم من رحمتك ، كما أخرجونا من وطننا ". وفي آخر الحديث إقرار من الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ بهذا الحب ، فلم ينكر على بلال قوة حنينه ، بل دعا أن يحبب إليهم المدينة كحبهم لمكة ، أو أشد حبًّا من مكة ، ودعاؤه بإيجاد هذا الحب ، دليل على مشروعيته ، والرغبة فيه ، والحرص عليه. وانظر إلى رحمة هذا النبي بأمته حين رأى حنين أصحابه إلى وطنهم دعا ربه ــ سبحانه وتعالى ــ أن يحببّهم البلدين معًا ، وفي هذا الدُّعاء ملمحٌ إنساني لا يدركه إلا الراسخون في العلم.وختم الكاتب المبحث بوقفة بعنوان:"شهداء في سبيل الله"جاء فيها قوله :" أخلصوا النية،وصدقوا العزم،فما أحسن صنيعهم ، وما أجمل فعلهم ، حين استرخصوا نفوسهم دفاعًا عن الدين ، ثم تلبية للواجب ، وفداء للوطن والمواطن. وما أبرّ عملهم ، حين كان الإيمان يملأ قلوبهم إجلالا لخالقهم ، يا لعظمتهم حين حملوا أنفسهم على أكفّهم استعدادًا للنداء ، وتحسبًا للفِداء ، يالشرفهم حين لم تثنهم الأعمال الآثمة ، والأقلام المأجورة ، والفتاوى المغرضة.
يالكِبرهم حين أدركوا قيمة الدين ثم الوطن ، ففوتوا على المغرضين والكائدين أهدافهم ، يالفضلهم حين أبَوا أن يتنازلوا لكائن من كان عن المكتسبات التي حققها الوطن ، يالمكانتهم حين وقفوا بكل صمود للذود عن حرمات الوطن ، والذب عن كرامته".
وفي مبحثه الرابع تحدث المؤلف عن" حب الملوك لأوطانهم وحنينهم إليها "جمع فيه المؤلف التي تدل على حب الملوك لأوطانهم وحنينهم إليها،مثل قوله صفحة 65 :" وبلغ من حبّ الأمير أسامة بن منقذ لوطنه،وشدة تعلقه به، وحنينه إليه أنه ألف كتابًا بسبب ما أصاب وطنه من دمار،إذ يقول في مقدمته:"...فإني دعاني إلى جمع هذا الكتاب، ما نال بلادي وأوطاني من الخراب، فإن الزمان جرّ عليها ذيله، وصرف إلى تعفيتها حَوْله وحيْله ، فأصبحت كأن لم تغن بالأمس... وهي أول أرض مسَّ جلدي ترابها... فاسترحت إلى جمع هذا الكتاب، وجعلته بكاء للديار والأحباب، وذلك لا يفيد ولا يجدي، ولكنه مبلغ جهدي...". وقوله في صفحة 67 :" وجاء عن أحد ملوك الصين وهو (وهرِز بن شير زاد) وكان عاملاً لكسرى على اليمن ، أنَّه كان كثير الحنين إلى وطنه ، وملاعب صباه ، ولم يصرفه المُلك ،وتلهه الحضارات آنذاك عن ذكر الوطن والحنين إليه ، فلما أدركته الوفاة أوصى ابنه أنْ يحمله إلى مسقط رأسه ، فدُفن هناك . ثم ختم المبحث بوقفة بعنوان :"مملكة الإنسانية"جاء فيها قوله :" فمملكتنا منذ توحيدها وهي سبّاقة إلى عمل الخير ، وتسابق الزمن في إغاثة الملهوف ، لا رغبة ولا رهبة ، وإنما انطلاقًا من مكانتها وزعامتها العالمية ، وقبل ذلك أداءً لرسالتها السامية بما يتلاءم مع مكانتها الدولية.
مملكتنا تحمل الخير ، وتقدم العطاء تلو العطاء ، أصبحت كبيرة بعطائها ، وعظيمة بمعايشتها لقضايا الأمة ، وتصدرها للدفاع عن القيم والمبادئ ، انطلاقًا من مكانتها الإسلامية ، وما يمليه عليها دستورها الكتاب والسنة".
وفي المبحث الخامس تحدث المؤلف عن حب الحكماء لأوطانهم وحنينهم إليها ، وقد جمع كثيرًا من الأقوال مع التعليق عليها ، كقوله في صفحة 75 :" ولنا وقفات مع نماذجهم المضيئة ، وحبِّهم الشديد ، وانتمائهم العميق ، وتجربتهم الثَّرية ، وإشراقاتهم النَّيرة ، وكلماتهم الوفية. "سُئل أحدهم : بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفُ وَفَاءُ الرَّجُلِ دُونَ تَجْرِبَةٍ وَاخْتِبَارٍ ؟ قَالَ: بِحَنِينِهِ إلَى أَوْطَانِهِ ، وَتَلَهُّفِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ زَمَانِهِ " . ويقول آخر: "محبة الوطن مستوليةٌ على الطِّباع ، مُسْتدعيةٌ لشدة الشوق إليها والنِّزاع". ألا ترى في قولهم إيحاءً بأهمية حبِّ الوطن ، والانتماء له، والحنين إليه .
يقول (جالينوس): " يَتَروح العليل بنسيم أرضه ، كما تنبتُ الحبَّة ببلِّ القطر". فهو يرى أن الإنسان بين أهله ووطنه كالحبة التي لا تستغني أبدًا عن المطر ، فيا لعظَم الانتماء ، ويا لشرف المحبة ، ويا لخطر المنزلة ، ويا لكِبر المشاعر. وقوله في صفحة 75 :" وعلى هذا النهج المبارك ، وهذه السيرة الشريفة سار حكيم آخر ، فقال: "احفظ بلدًا رشَحك غذاؤه - أي: قَوَّاك - وارعَ حمىً أكنَّك فناؤه ، وأولى البلدان بصبابتك إليه ، بلد رضعت ماءه ، وطعمت غذاءه".ولك أن تتأمل هذا الحديث الذي تحفه العاطفة الجياشة ، والمشاعر النبيلة ، والأحاسيس الصادقة ، حين رأى قائله أن البلد يجب أن يُصان ، وأنَّ الوطن يجب أنْ يُحفظ؛ لأنّه السبب - بعد الله سبحانه و تعالى - في وجود الإنسان ، ونشأته وترعرعه . ويقول أحد حكماء الهند: "حَنِين الرَّجل إلى وطنه ، من علامات رشده". وما هذا القول إلا دليل على أن النفس البشرية السَّوية تتميز بفيض الحبِّ والمشاعر لوطنها ، فهي عاشقة له ولترابه ولفيافيه. . وختم المؤلف المبحث بوقفة بعنوان :"مذاكرة في حب الوطن"جاء فيها قوله :" نظرة عادلة تجاه وطننا الغالي تُريك أن الله-سبحانه وتعالى- خصّه بخصائص فريدة ، ففيه أطهرُ بقعة، ومنه أُرســل أفضــل الرسـل ، وخُتمت به الرسالات، وفيه الحرمـان الشريفان ، وهو مهبـِـِط الوحي.
الانتساب له غاية، والانتماء إليه شرف، وحق على كل مواطن فُضِّل بهذه النعمة ، ووصل إلى تلك الغاية ، ونال هذا الشرف أن يحب هذا الوطن ، وأن يشكر الله - سبحانه وتعالى- على ذلك ، وأن يساند ولاة الأمر، ويتكاتف مع أهله ومواطنيه لصلاح المجتمع ، وفلاحه في دينه ودنياه".
وفي المبحث السادس تحدث المؤلف عن مذاكرة في حب الأطباء لأوطانهم وحنينهم إليها،ذكر فيه بعض أقوالهم التي تدل على حب الوطن ،كقوله في صفحة 87 :" ورسول الأمة ــ صلى الله عليه وسلم ــ أدرك هذا الأمر بوحي ربَّاني قبل كل أحد ، وعرف العلاقة بين الوطن والمواطن ، ولذلك جاء عنه أنَّه كان يرقي المريض فيقول: "بسم الله تُربةُ أرضنا ، بريقة بعضنا ، يُشفى بها سقيمنا بإذن ربنا" . .فهو - صلى الله عليه وسلم - يجعل في إصبعه الشريفة ريقًا من ريقه المبارك، ثم يغمس الإصبع الشريف في التراب فيعلق به شيءٌ منه، ثم يضعه على موضع الألم من المريض ، ويقول: "بسم الله تُربةُ أرضنا ، بريقة بعضنا ، يُشفى بها سقيمنا بإذن ربنا".
فَيا وطَنَ السُّلوانِ والعِشقِ غُربةٌ
لحُبّكُ من قلبي وإن سَلَّط الضَّنى
ألا عَوْدةً بالله في ذلك الوطنِ
على جَسَدي أشفى من الرُّوح للبدنِ
والعلماء - رحمهم الله - وقفوا عند قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "تُربة أرضنا". فذكروا أن تربة الوطن الذي يعيش فيه الإنسان لها تأثير فيه ، ومن هنا تحدثوا طبيًّا عن هذه الخاصية لتراب الوطن ، يقول ابن القيم: "وهل المُراد بقوله "تُربةُ أرضِنَا" جميع الأرض ، أو أرض المدينة خاصة ، ولا ريب أنَّ من التربة ما تكون فيه خاصية، ينْفَعُ بخاصيته من أدواءٍ كثيرة" وذَكرَ عن (جالينوس) أنَّه رأى أناسًا مرضى يتداوون بتربة الوطن وطينه ، وبإذن الله شُفُوا من أمراض مزمنة".
ونقل الحافظ ابن حجر عن البيضاوي - رحمهما الله – تعليقًا على هذا الحديث،يقول: "قد شهدت المباحث الطبية على أن للريق مدخلاً في النُّضج ، وتعديل المزاج ، وكذلك لتراب الوطن ، وشهدت المباحث الطبية أيضا أن تراب الوطن له تأثير في حفظ المزاج ، ودفع الضرر ، فقد ذُكِر أنه ينبغي للمسافر أن يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها؛ حتى إذا ورد المياه المختلفة جعل شيئًا منه في سقائه ليأمن من مضرة ذلك" .وقوله في صفحة 90 :" يقول إبراهيم بن أدهم - رحمه الله -: "عالجتُ العباد فلم أجد شيئًا أشدَّ عليَّ من نزاع النفس إلى الوطن". ويقول: "ما قاسيتُ فيما تركتُ شيئًا أشدَّ عليَّ من مفارقة الأوطان". وذلك لأن حكمة الله اقتضت أنَّ حبَّ الوطن متأصل في النفوس ، مشرئب في القلوب.وختم المؤلف المبحث بوقفة بعنوان:" لأنه بلد النماء والخير " جاء فيها قوله :" من المفاخر التي يفخر بها المواطن السعودي ، ما يوليه ولاة الأمر-حفظهم الله- له من عناية ورعاية يندر مثيلها في دول العالم الباقية ، يتلمسون احتياجاته ، ويعملون على راحته ، ويسعون إلى رقيّه ، ولذا أصبحت المملكة قدوة تحتذى ، ومثالا يُستشهد به ، وواقعًا يُروى ، حينما خطت خطوات واسعة في ميادين الرقي والتطور كافة.
وبناء على هذا التميز سعى المغرِضون إلى تكدير صفو الأمة ، وبادر الحاقدون إلى تنغيص جوِّ الألفة ، فأصبحت الأمة تتعرض بين الفينة والأخرى لهجمات شرسة من أعدائها ، يكيلون لها التهم والأكاذيب والشبهات ، والمؤسف في الأمر أن بعضها يصدر من أناس يتكلمون بلغتنا، ويكونون عونا لأعدائنا ، ويطعنون الأمة من داخلها، وجدوها فرصة لإبراز غيض من فيض ، يرفعون شعارات براقة ، وينادون بدعوات هدامة، وينعقون بما لا يعقلون ولا يدركون ، بل بما تشبعوا به من أفكار متناقضة ، وآراء متضاربة ، يخرجون على المجتمع بأفكار تصادمه، ومظاهر لا تمثله ،ودعوات تقتله ، ومطالبات تخرج عن عاداته ،وسلوكاته، وأعرافه ،وقيمه، ومبادئه، من أجل النيل من بلادنا ، والتشكيك في تميزها المتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية وما قصدهم إلا الإسلام ذاته فهو المعقل الأخير اليوم ، ولا عجب فـ ﮋلَنْ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﮊ [ البقرة:120 ] .وبفضل من الله ، ثم بالقيادة الحكيمة لهذه البلاد الطاهرة مازال لنا الموقف الثابت من كل هذه الأحداث . موقف بني على أساس الاعتصام بكتاب الله ، وسنة رسوله ـ.صلى الله عليه وسلم ـ فالمملكة منذ توحيدها على يد الملك عبد العزيز ــ رحمه الله ــ لم تكن يومًا ما ملاذًا للإرهاب أو مقرًا لتجمعاتهم ، أو منطلقًا لتصرفاتهم ، أو حتى مصدرًا للعنف وسفك الدماء ، بل على النقيض من ذلك ، فالمملكة منذ تأسيسها وهي دولة داعية إلى السلام والمحبة ، والإخاء بين الشعوب ، وهذا ما جعل المملكة تتميز بخصوصية دون سائر دول العالم ، وهذه الخصوصية التي تشهدها المملكة هي اتخاذ الإسلام منهجًا لها، وطريقًا تسير عليه ، ونبراسًا تتعامل به ، ومنطلقًا تحكم بشريعته ، منهجًا يحكمها في جميع تعاملاتها وشؤونها الخاصة والعامة ، في حين ضيعت أكثر الدول ـ مع شديد الأسف ـ الإسلام وغيبته عن القضاء والتعليم والشارع ، وجميع مظاهر الحياة ، إن خصوصيتنا تلك لهي خصوصية يعلن عنها بكل فخر واعتزاز وجرأة في كل مجمع ومحفل . وولاة أمرنا ـ حفظهم الله ـ والمجتمع السعودي وكل مسلم يبارك ويناصر هذا الموقف الشجاع الواثق ، ويثمن لقيادتنا الحكيمة ذلك ، لا يرضون جميعهم أن تمسَّ تلك الخصوصية ، أو أن يغمز أو يطعن في هذا التميز.وبناء على هذا الموقف فما زلنا نجني ثمار هذه القيادة المباركة ، يوما بعد يوم ، حتى أصبحنا نضاهي كبريات الدول تقدمًا وصناعة.فراقب الله -عز وجل - أخي المواطن الحبيب ، إنك مؤتمن على كل ذرة من ذرات هذا الوطن، ولا يُوهن من عزمك الذين انحرفوا وتخاذلوا في أداء الحقوق، والواجبات المنوطة بهم، انظر إلى الناجي كيف نجا؟ ولا تنظر إلى الهالك كيف هلك؟. نسأل الله- سبحانه وتعالى- أن يديم على بلادنا وُلاة أمرنا ، وأمنها وتقدمها وتميزها ، إنه على كل شيء قدير.
وفي المبحث السادس تحدث المؤلف عن مذاكرة في حب العلماء لأوطانهم وحنينهم إليها ،جمع فيه المؤلف قصص العلماء القدماء الذي رحلوا إلى مختلف الأقطار لطلب العلم ، ولم يثنهم ذلك عن حب أوطانهم وحنينهم إليها ، مثل قوله في صفحة 97 :" وذُكر عن العلامة جمال الدين الكاهلي أنه رحل إلى اليمن ودرس على علمائها ، ثم سافر إلى مكة وأقام بها زمنًا وأخذ عن شيوخها ، ثم انتقل إلى المدينة المنورة وقرأ على أئمتها هناك ، وقد أثنوا عليه ، وأُعجبوا بفطنته وذكائه ، وسرعة بديهته ، وقوة حفظه ، وطمعوا في اجتذابه للإقامة معهم فغلبت عليه محبَّة الوطن ، والشّوق إلى الأهل ، فآثر العودة إلى وطنه على البقاء معهم ، فعاد وتصدى للتدريس والفتوى ، وقصده الناس من أقاصي البلدان . وقوله في صفحة 101 :" وذكر السُّبكي في الطبقات :" أن أحمد بن عبد الله المغفلي كتب مؤلفًا عن حبِّ الوطن، فمرض بعده أسبوعًا ثم مات ، فسمي قتيل حبِّ الوطن". وذُكر عن أبي بكر بن الأزرق أنه كان من أهل الحديث،وكان أديبا شاعرا ،جلس في مجلس علم يومًا ما فتذاكروا الأوطان ونزوع النفس إليها، فاظهر التشوق إلى وطنه، والحنين إليه ، ثم قال: ما هؤلاء إلا كما قال ابن الرومى :
وحبب أوطان الرجـال إليهم مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرتهم زمان الصبا فيها فحـنوا لذلكا
فبكى ، وجعل يتمنى الرجوع إلى وطنه فحالت منيته دون أُمنيته . وختم المؤلف المبحث بوقفة بعنوان " وطن الحب والتضحية "جاء فيها قوله :" التضحية قول يصدّقه العمل ، وفعل يؤكده العطاء ، وسلوك تبرزه المواقف العظيمة، وتصرف ترعاه الحياة الكريمة.
فالوطن الذي يتميز أهله بالإيثار والتضحية تجدهم قُرباء ، والوطن الذي يتميز أهله بالأنانية والتخاذل تجدهم غُرباء المشاعر حتى وإن تقاربوا بالأجساد.نعم .. لا تكون التضحية حتى تتعود النفس لذة العطاء ، كما تتعود لذة الأخذ.
التضحية إرادة القوي ليقوى ، والتخاذل إرادة الضعيف ليضْعُف ، بها يتحلى الفرد بالصدق فيشرُف قدره ، وتطيب حياته ، ويصفو باله ، كما أنها تدل على نقاء السريرة ، وسمو الهمة ، ورجحان العقل ، وعلو المكانة ، وكرم الذات ، وجلالة القدر ، وصدق الحبِّ ، وحقيقة الانتماء".
وفي المبحث السابع تحدث المؤلف عن مذاكرة في حب الأدباء لأوطانهم وحنينهم إليها،جمع فيها المؤلف جميل قولهم ،وبديع نثرهم، وصادق مشاعرهم ،مثل قوله في صفحة 108 :" ولأديب فذِّ ألمعيٍّ كلمة سجلها له التاريخ ، يقول فيها: "من أماراتِ العاقل بِّره لإخوانه ، وحنينه لأوطانه ، ومداراته لأهل زمانه" ولا شك أن مقولته لم تصدر من فراغ ، بل هي نتاج ممارسة واطلاع ، ومعايشة ومخابرة ، فأدَرَك بثاقبِ نظره أن من أمارات العقل والكمال في النفس ، والمروءة في الرجل ، أن تحنَّ إلى الوطن ، وتنزع إليه ، وتشتاق إلى مراتعه... ولعبد الحميد الكاتب كلمة جميلة حين ذكر الدنيا ، فقال: "نَفَتْنا عن الأوطان ، وقَطَعتنا عن الإخوان" و صدى هذا القول نابع من حبِّه لوطنه ، وشدة شوقه إليه ، وتعلقه به ؛ لأنَّ البعد عن الوطن نقصان من الكرامة ، وضيم من الوحدة...ويقول آخر: "لا تنهضْ من وكْرِك فتنقُصك الغربة ، وتضِيمَك الوحدة". فهو يرى أن في الغربة نقصًا من قيمة الرجل ومكانته ؛ لجهل أهل المكان به ، وبذلك يقاسي ألم البعد وألم الضعف ، وألم الحنين ، كما يقول زهير بن أبي سلمى في معلقته:
ومَن يَغترِبْ يحْسِبْ عَدُوًّا صَديقَهُ ومَن لم يُكَرِّمْ نَفسَهُ لم يُكَرَّمِ
ألا ترى في مقولاتهم تجارب حيَّة ،عاشوا أحداثها، ومواقف عصيبة خاضوا غمارها،واعتصرتهم ويلاتها، فكشفت عن حكماء صاروا أهلاً للخلوص إلى التوجيهات الصائبة،والحكم الناصعة.
ويقول آخر: "يحنُّ اللبيب إلى وطنه ، كما يحنُّ النجيب إلى عطفه". وما ذاك إلى لشدة انتماء النفس إلى الوطن...ويقول آخر: "ليس الإنسانُ أقنع بشيء منه بوطنه ؛ لأنَّه يتبرم بكل شيء رديء ، ويتذمّم من كل شيء كريه إلا من وطنه ، وإنْ كان رديء التربة ، كريه الغذاء ، ولولا حبُّ الناس للأوطان لخربت البلدان". فالإنسان الكريم السوي ، يقنع بوطنه ؛ لارتباطه به ، فقد يزداد قلقه من تغير الأشياء ، وتبدل الأحوال ، لكن لا تجده يبتغي بوطنه بديلاً ، وما ذاك إلا لكرم الذات ، وجلالة القدر. وختم المؤلف المذاكرة بوقفة بعنوان :"حب الوطن ... تعريف " جاء فيها قوله :" حبُّ الوطن ليس كلمة تلوكها الألسن المنفصلة عن القلوب ، ولا مشاعر خالية من الانتماء ، ولا عطاء بلا تضحية، ولا أفكاراً تُنشر وتذاع، ولا كتبًا تدرس ومحاضرات تلقى ، ولا ترديدًا للشعار الوطني، وأداء للقسم واليمين بالإخلاص له فحسب.حبُّ الوطن: مبدأ من المبادئ الإيمانية التي يقرها الدين، وتُوجبها الفطر السليمة.
وفي المبحث الثامن تحدث المؤلف عن مذاكرة في حب الشعراء لأوطانهم وحنينهم إليها،وقد أفاض المؤلف في ذكر اشعارهم وقصصهم مثل قوله في صفحة 140 :" ويقول يحيى بن طالب الحنفي حينما تذكر وطنه وهو في الغربة:
ألا هل إلى شمِّ الخُزامى ونظرةٍ
فأشربُ من ماء الحُجيلاء شربةً
فيا أثلاثَ القاعِ قلبي موكَّلٌ
ويا أثلاثَ القاع قد ملَّ صُحبتي
إلى قرقرى قبل المماتِ سبيلُ
يُداوى بها قبل المماتِ عليلُ
بكُنّ وجدوى خيركنَّ قليلُ
مسيري فهل في ظلِّكنَّ مقيلُ
ولذلك لما سمع هارون الرشيد هذه الأبيات، وسأل عن قائلها، وذُكر له أنه حيٌّ، ولكنه تغرّب عن وطنه بسبب ديْن عليه ، أمر بقضاء دينه ، ودفع نفقة له ؛ لإدراكه عظم الغربة على النفس ، وشدة قسوتها على الجسد ، ولإعجابه بشوق الرجل ، وكبير انتمائه. ويقول في صفحة 143 :" ويحنُّ أمية بن أبي عائذ وهو في مصر عند عبد العزيز ابن مروان إلى وطنه مكة ، فتفيض نفسه شوقًا واشتياقًا وحبًّا وحنينا ، فيقول:
متى راكبٌ من أهل مصر وأهله
بلى إنها قد تقطع الخرق ضُمَّرٌ
متى ما تجزها يابن مروان تعترف
بمكةَ من مصر العشيَّة راجعُ
تُباري السُّرى والمسعفون الزَّعازعُ
بلادُ سُليمى وهي خوصاءُ ظالعُ
إلى آخر ما قال: ولذلك قال له عبد العزيز بن مروان:" اشتقت والله إلى أهلك يا أمية،فقال: نعم ، والله أيُّها الأمير ، فوصله وأذن له بالرحيل" . وختم المؤلف المبحث بوقفة بعنوان :"بوح وألم " جاء فيها قوله :" إن أهل المآرب والجهل تجاه وطنهم لا قيمة لهم ولا قدر؛ لأنهم يميلون إلى الدَّعة ، ويؤثرون الراحة ، مخلدون للأرض ، قاعدون عن المكارم ، كَلِفون بالصغائر ، مولوعون بمحقرات الأمور.إن نسيان الأدلة الشرعية في حبِّ الوطن والانتماء إليه وتجاهلها ، تصرف يشلُّ العقل ، ويصدُّ عن الحق ، ويؤدي إلى حصر التفكير ، وضيق الرؤية ، وإصدار الأحكام الناقصة الباطلة".
وفي المبحث التاسع تحدث المؤلف عن مذاكرة في حب النساء لأوطانهن وحنينهن إليها ، جمع فيه المؤلف القصص والمشاعر الصادقة في حب الوطن ، مثل قوله في صفحة 156 :" وذكر ياقوت الحموي:" إن هشام بن الوليد حدَّث عن أبيه ، قال: خرج قوم من مكة نحو الشام ، وكنتُ فيهم ، فبينما نحن نسير في بلاد الأردن من أرض الشام ، إذ رُفع لنا قصر ، فقال بعضنا لبعض: لو مِلنا إلى هذا القصر ، فأقمنا بفنائه حتى نستريح ، ففعلنا ، وبينما نحن كذلك إذ انفتح باب القصر ، وانفرج عن امرأة مثل الغزال العطشان فرمَقَها كل واحدٍ منَّا بعين وامقٍ ، وقلب عاشق ، فقالت: من أيِّ القبائل أنتم؟ ومن أيِّ البلاد؟ قلنا نحن أضاميم من هنا وهناك ، فقالت: أفيكم من أهل مكة أحد؟ قلنا: نعم ، فأنشأت تقول:
من كان يَسألُ عنَّا: أينَ منزلنا؟
وإنَّ قصري هذا مابه وطني
إذ نلبس العيش صفوًا ما يكدِّره
من كان ذا شجنٍ بالشَّام ينزله
فالأقحوانَةُ منا منزلٌ قَمِنُ
لكن بمكة أمسى الأهلُ والوطنُ
قولُ الوُشَاةِ وما ينبو به الزَّمنُ
فبالأباطح أمسى الهمُّ والحزن
ثم شهقت شهقةً ، وخرَّت مغشيًا عليها ، فخرجت عجوز من القصر فنضحت الماء على وجهها ، وجعلت تقول:
في كلِّ يومٍ لك مثلِ هذا مرات تالله للموتُ خير لك من الحياة
فقلنا: أيتها العجوز ، ما قصَّتها؟ فقالت: كانت لرجل من أهل مكة فباعها ، فهي لا تزال تنزع إليها حنينًا وشوقًا". وقوله في صفحة 162 :" وهوى بعض الخلفاء أعرابية ، فتزوج بها، فلم يوافقها هوى المدن ، فلم تزل تعتل وتتأوه مع ما هي عليه من النعيم والراحة ، والأمر والنهي، فسألها عن ِشأنها فأخبرته بما تجد من الشوق إلى البراري ، وأحاليب الرعاء ، وورود الماء التي تعودت ، فبنى لها قصرًا على شاطئ دجلة ، وأمر بالأغنام والرعاء أن تسرح بين يديها وتتراءى لها، فلم يزدها ذلك إلا اشتياقًا إلى وطنها، ثم مرّ بها يومًا في قصرها من حيث لا تشعر بمكانه ، فسمعها تنتحب وتبكي حتى ارتفع صوتها، وعلا نحيبها،ثم قالت:
وما ذنـبُ أعرابية قذفتْ بها صُروف النّوى من حيث لم تك ظَنتِ؟
تمنّت أحاليبَ الرّعاءِ وخيمةٍ بنجـــدٍ فــلم يُقــضَ لهــــا ما تمنتِ
إذا ذَكرت ماءَ العُــــذيب وطيبهِ وبــردِ حصـــاه آخـــر الليــل أنّت
لهــا أنّـةٌ وقــت العـــشاء وأنّةٌ سُحـــيراً فلـــولا أنّتــَاها لـجُـــنتِ
فخرج عليها الخليفة وقال : قد قضي ما تمنت ، فألحقها بأهلها من غير فِراق ، فما مرّ عليها وقت أسرّ من ذلك ، وسرى ماء الحياة في وجهها ، من حين التحقت بأهلها . وختم المؤلف المبحث بوقفة بعنوان :" مفارقات " جاء فيها قوله :" وطَبَعَي أن يكون كره الوطن تعللا بباطل ، وتعلقًا بضلال ، وتخلُّقًا يُكذّبه الخُلق ، وخيانة للمبادئ ، وتنكرًا للأصالة ، وعقوقًا للأهل ، وتخلفًا وجهلا ، وحيادًا عن الحق ، وميلا إلى الباطل ، وسكونا إلى الدَّعة ؛ لأن خونة الوطن أعداء لدينهم ، وحُزنٌ على أهلهم ، ومثلبٌ على أوطانهم ، عندهم استعداد ولكنه كاستعداد المريض للموت ، وشعور بالنقص في أنفسهم لبُعد عهدهم بالعزة والكرامة.
بَنَوا تصوراتهم عن وطنهم على هراء وتَقَوُّلَات ففسد تصورهم من فساد تصويرهم ، فركبوا الحماقات ليصلوا إلى الخيال ، فانتهى بهم الأمر إلى الخبال ، وما أضلنا إلا المجرمون.
إن هؤلاء الخونة يتخبطون في ظلمات من الأفكار المتضاربة ، والسّبل المضلة ، تنازعتهم الدعايات ، وتقاذفتهم الأهواء ، فهم ميدان الصراع ، ومجال الفوضى ، وموضوع النزاع ، فصوتهم ضعيف ، وعملهم ضئيل".
وفي المبحث الحادي تحدث المؤلف عن مذاكرة في حب الأعراب لأوطانهم وحنينهم إليها ، جمع فيه المؤلف جميل القصص والمواقف التي تجسد حب الوطن وشرف الانتماء إليه،مثل قوله في صفحة 172 :" يقول الأصمعي عن ولَعِ الأعراب بأوطانهم وتعلقهم بها: "دخلتُ البادية فنزلتُ على بعض الأعراب ، فقلت: أفدني ، فقال: إذا شئت أن تعرف وفاء الرجل ، وحُسْن عهده ، وكرمَ أخلاقه ، وطهارة مولده ، فانظر حنينه إلى وطنه ، وتشوَّقه إلى إخوانه". وقوله في صفحة 174 :" وحينما سُئل أحد الأعراب – وقد ذُكِّر بشظف العيش في بلده – كيف تصنع في البادية إذا اشتَّد القيظ ، وانتعل كلُّ شيءٍ ظلَّه؟ قال:" وهل العيش إلا ذاك ، يمشي أحدُنا ميلاً فيرفضُّ عَرقًا ثم ينصِبُ عصاه ، ويُلقي عليها كساءه ، ويجلس في فيئه – ظلاله – يكتال الريح فكأنه في إيوان كسرى".وما أعظم هذا الانتماء ، والعلوق بالوطن ، حين جعل هذا الأعرابي ظلال كسائه ، وهو جالس على رمل وطنه أفضل من إيوان كسرى وما فيه من خيرات ، ولكن أين من يعقل ؟ وأين من يقتدي ؟ وأين من يتمثل؟!!
وقيل لأعرابي: "ما أصبَركم على البدو؟" قال:" كيف لا يصبر من وِطَاؤه الأرض ، وغِطاؤه السماء ، وطعامه الشمس ، وشرابه الريح ، والله لقد خرجنا في إثر قومٍ قد تقدَّمونا بمراحل ونحن حُفاة ، والشمس في قُلَّة السماء ، حيث انتعل كلُّ شيء ظِلَّة ، وإنهم لأسوأ حالاً منا ، إنَّ مِهادهم للعَفَر ، وإنَّ وِسادهم للحجَر ، وإنَّ شعارهم للهواء ، وإنَّ دِثارهم للخِواء".وقوله في صفحة 77 :" ومرضَ أعرابيٌّ في غربة فعاده أعرابيٌّ ، فقال له:"بأبي أنت بلغني أنَّك مريض ، فضاق والله عليَّ الأمر العريض ، وأردتُ إتيانك فلم يكنْ بي نهوضٌ ، فلمَّا حملتني رجلاي ، وليستا تحملاني ، أتيتك بجَرزة – أي: حزمة – شِيْحٍ ، ما مسَّها عِرنينٌ قط ، فاشْممُها ، واذكر نجدًا ، فهو الشفاء بإذن الله" . وختم المؤلف المبحث بوقفة بعنوان :" قيادة واعية ... تميز وعزيمة " جاء فيها قوله :" خادم الحرمين الشريفين: منذ أن توليتم مقاليد الحكم وأنتم تصنعون التاريخ ، وتشيّدون المجد ، وترفعون راية لا إله إلا الله خفّاقة في كل مجمع ومحفل ، وتعملون على تقدم هذا الوطن ورفعته وازدهاره.
لقد زرعتم في أنفسنا الثقة والمحبة والولاء ، ومن قبلها زرعتم الأرض مفاخرَ تنمّ عن طيبة وإنسانية وأصالة وكرمٍ ، مازال الناس يحصدون ثمارها عزّة وفخرا في داخل المملكة وخارجها.
لقد منحكم الله - سبحانه وتعالى - حُسن التفكير ، وبُعْد النظر ، وقوة العزيمة ، ومنَّ عليكم بالإيمان ، فتساوى في نظركم متاع الدنيا وزخرفها مقابل نجاح جهودكم ، وانتشار الإسلام في العالم ، والعيش في سلام ووئام.زيّنتم أفعالكم بالمكارم ، فأصبح همّكم الأول والأخير الإسلام ، والحفاظ على هويته ، ثم رفع شأن الوطن عاليًا ، وتوفير كل ما يحتاج إليه المواطن ، والمسلم في أنحاء العالم".
وفي المبحث الأخير تحدث المؤلف عن مذاكرة في حب الحيوانات لأوطانها وحنينها إليها ، رصد فيه المؤلف بعض القصص الجميلة، والمواقف الأصيلة ، مثل قوله في صفحة 188:" وحنينه إلى موطنه ووكره ، فقال: "ربُّما قصصت جناحه وبعته ، فما أن يجد في جناحه قوةً على النهوض حتى أراه أتاني ، وربَّما فعلت به ذلك مِرارًا ، فما زاده إلا حنينًا ووفاء"..وقال:" وربما اصطيد، وغاب عن وطنه عشر حجج فأكثر، ثم هو على ثبات عقله، وقوة حفظه، ونزوعه إلى وطنه، حتى يجد فرصة فيطير إليه".والإبلُ لا تقلُّ شأنًا في حنينها إلى أوطانها عن الحمائم ، يقول الجاحظ: " البعير يحنُّ إلى وطنه وعطنه وهو بُعمان من ظهر البصرة ، فهو يخبط كل شيء ، ويستبطنُ كل وادٍ ، حتى يأتي مكانه، على أنَّه طريقٌ لم يسلكه إلا مرة واحدة ، فلا يزال بالشَّم والاسترواح ، وحُسن الاستدلال بالطبيعة حتى يأتي مبرِكه ، على بعد ما بين عمان والبصرة".ويقول المبرد: "والبعير يحن كأشد الحنين إلى عطنه إذا أخذ من القطيع". وذكر قتيبة بن مسلم قومًا بالخير فقال: "هم والله أحنُّ من الإبل المعلقة إلى أوطانها". وقوله في صفحة 189 :" وذُكر عن زوجة جبهاء الأشجعي أنها قالت له: "لو هاجرت بنا إلى المدينة ، وبِعْتَ إبِلك ، وافترضت في العطاء ، كان خيرًا لك ، قال: أفعل ، فأقبل بها وبإبله ، حتى إذا كان بحرة (وَاقِم) من شرقي المدينة شرعها بحوض واقم ليسقيها فحَنَّت ناقة منها لموطنها ، ثمَّ نزعت وتبعتها الإبل ، وطلبها ففاتته ، فقال لزوجته: هذه إبل لا تعقل تحنُّ إلى أوطانها ، ونحن أحقُّ بالحنين منها ، أنتِ طالق إن لم ترجعي معي" . وختم المؤلف المبحث بوقفة بعنوان :" إليهم ... فقط " جاء فيها قوله :" فما انحطت الأمة ، وأفل نجمها ، وزال سلطانها ، إلا بتخاذل أبنائها ، وفساد تفكيرهم ، وخَورِ عزائمهم. وما رُزئت الأمة الإسلامية بأعظم من استجابة بعض أبنائها لمخططات أعدائها،الهادفة إلى إضعاف الأمة،وتشتيت شملها.فأيُّ عين يجمُل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة من الدموع ، فلا تريقها أمام هذا الأمر المؤسف،حين يكون أبناؤها شيعة الباطل،وأتباع الغي،وأعداء الحق،وأحزاب البدع،وأهل شقاق وزيغ ونفاق وفتنة وبدعة.وأيُّ قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه فلا يطير جزعًا ،حينما يرى شباب الأمة وقد وظّفوا طاقاتهم بما يصادم مبادئ دينهم".
الجدير بالذكر أن مراجع المؤلف تجاوزت الستين مرجعًا ، وقد اعتمد المنهجية في العرض والتوثيق ، وأهدى المؤلف كتابه إلى كُلِّ مَنْ تَأثَّر: بمَبادِئ وافِدةٍ، أو مَناهِجَ دَخِيْلةٍ ، أو أفكَارٍ مُنحرفَةٍ،أو ثَقَافَاتٍ مُسْتَورَدةٍ ،عَسَى أن يَسْتَفِيدَ ويُفيِدَ ، ليُراجِع نفسَهُ ، ويُحَكِّم عقْله،طَاعَةً لـخَالِقهِ،واتِّباعًا لرَسُولهِ،واسْتِجابةَ لِولِي أَمره ، وإرْضَاءً لِضَمِيْرهِ" وزانه بإضاءة خادم الحرمين الشريفين :" يَجِبُ أنْ يَعيَ القَرِيْبُ والبَعِيْدُ أنَّ هُنَاكَ شَيئينِ لا مُسَاوَمةَ فِيْهما: العَقِيْدةُ والوَطَن ".
ومما جاء في المقدمة"... وهذا الكتاب قلّت صحائفه، وكثُرت لطائفه، اشتمل على غُرر الأخبار، وفرائد الأشعار، وبدائع الآثار، وحوى ألوان المواقف، وزخر بأشتات الطرائف، وحفظ بين دفتيه نتاج القرائح، وحقائق السير، جمعت فيه شمل الطَّارف بالتَّليد، والقديم بالجديد، فأنفَذت به إليه ، وأوفدت عليه، وهو مجموعة مُذاكَرات تُعدُّ نماذج من أحلى ما قرأت عن حبِّ الوطن والحنين إليه ، وأغلى ما رأيت من حُسن الانتماء والانسجام ، وأشهى ما ينعت به سِيَرُ الشرفاء ،استخلصتها من بطون الكتب ، فهي واسطة العِقد فيها ، وتختصر الطريق لمن أراد الوصول إلى الفائدة ، أو إصابة كبد الحقيقة ، وقد استأنست في بعضها بقصص وأخبار من زلّت بهم القدم ، وظلموا أنفسهم ، وطُمس على قلوبهم ، جمعًا للأخبار، وإيرادًا للأحداث ، وإبرازًا لكريم الأفعال، اعتضادًا لا اعتمادًا، وتلك المُذَاكَرَات تفصح عن التجربة الناضجة ، والكلمة الصادقة ، والحكمة الناصحة ، والوصايا النافعة ، والمواعظ الجامعة ، والرأي السديد ، والمعنى الرشيد ،والنوادر المليحة، والمواقف الرقيقة، فلك أن تتفيأ ظلالها ، وتنتقل بين أشجارها ، وتختار من ثمارها ، وتَشْتَار من أزهارها ما شئت ،علّك أن تحذو حذوهم ، وتأخذ مأخذهم ، وتسلك سبيلهم ، وتستنهج مِنهاجهم ، وتتّبع مقصدهم ، وتَنْحُو نحوهم ، وتقفُو أثَرهم ، وتتخلّق بأخلاقهم ، وتأتمَّ بعملهم ، وتقتدي بفعلهم ، وتتأسّى بصنيعهم ، وتتحَلى بحِليتِهم، وقد ضمَّنتها بعض الآيات ، والأحاديث ، وكثيرًا من الأشعار التي تخلِّد حبَّ الوطن ؛ لأنَّ الشعر يخاطب المشاعر ، ويصل إلى شغِاف القلوب ، ويُظْهر كوامن النفس ، وخفايا الضمير ، وخبايا المشاعر ، فهو أنيس الغريب ، ودليل الأرِيب ، ومتاع الأديب ، ويعبِّر عن فطرة فطر اللهُ الناس عليها ، لا تبديل لفطرة الله ،ثم ختمت المُذَاكَرات بوقفات عن الوطن ،دعتني إليها النفس الطَّموح، وفرضها عليَّ الواجب ، وباحت بها المشاعر ، وأمطرني بها العقل ، ففاضت على القلب ، وجالت في الخاطر ، وتدفقت على اللسان ، فأحبَبْتُ أن أذكرها لتكون للقارئ أنيسًا ، وللسامع جليسًا ، وللألمعي زادًا، وفضيلة هذا الكتاب جمع ما افترق ، مما تناسب واتسق ، واختيار قصص ، وترتيب نماذج ، على حسب ما بلغته الطاقة ، واقتضته الرواية ، واقتصرت عليه النهاية ..". ولا أظن أنني بحاجة إلى مزيد من التوضيح عن هذا الكتاب بعد هذه المقدمة الذهبية التي تكتب بماء الذهب الذي لا يصدأ على مر السنين، ختاما إن هذا الكتاب يقدم نموذجا متميزا في التعبير عن حب الوطن عن طريق الفهم العلمي العميق لمعنى الانتماء، وهو الطريق الصحيح لبناء ثقافة وطنية صادقة وثابتة على مر الأجيال.أقدر لأخي هذه الغيرة وهذا الإصدار المميز الذي ستتزين بها مكتبتي كما زينت عقول وأفئدة الآخرين الشغوفين بإبداعات أدبائنا وكتابنا الذين نفخر بهم وستفخر بهم الأجيال القادمة.