نافذة الإسلام الصحيح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نافذة الإسلام الصحيح

صحيح الدين الاسلامى
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
الى كل مصرى مصر امانة فى رقبتك الى يوم الدين حافظ عليها ---- لا للعنف --- لا للصراع --- مصر فوق الجميع---كن مع رئيسك  ومع مصر فى ازمتها------ سجل زوار الموقع http://www.arabgb.com/gb.php?id=34303&a=show

 

  الخطبة الاولى:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
sayed
مدير عام الموقع
مدير عام الموقع
sayed


المساهمات : 699
تاريخ التسجيل : 12/10/2013

 الخطبة الاولى: Empty
مُساهمةموضوع: الخطبة الاولى:    الخطبة الاولى: I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 25, 2013 10:57 am

بسم الله الرحمن الرحيم
 الخطبة الاولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر.
 وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر.
 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة المؤمنون: تعقيباً على موضوع الخطبة الماضية، حيث أن العمل الصالح هو سبب سعادة الإنسان، إن كان العمل الصالح صالحاً للعرض على الله عز وجل، كان هذا العمل سبب سعادة الإنسان، وإن كان العمل سيئاً كان العمل سبباً لشقاء الإنسان.
 السؤال: ما الذي يجعل عمل الإنسان صالحاً؟ وما الذي يجعل عمل الإنسان سيئاً؟ لماذا هذا يستقيم، وهذا ينحرف؟ لماذا هذا يخلص، وهذا يخون؟ لماذا هذا الإنسان يقف عند حدود الله، وهذا يعتدي على أموال الناس، وعلى أعراضهم؟ لماذا هذا الإنسان يضبط لسانه، وهذا يطلقه في الكذب، والغيبة، النميمة؟ لماذا كان العمل الصالح صالحاً، ولماذا كان العمل سيئاً؟ ما الذي يحدد العامل الفعال في جعل العمل صالحاً أو جعله طالحاً؟ مائة آية في كتاب الله سبحانه وتعالى تبين هذه الحقيقة الذي آمنوا وعملوا الصالحات. في مائة آية أو تزيد، قرن الله سبحانه وتعالى العمل الصالح بالإيمان؛ بمعنى هو أن الإيمان، هو سبب للعمل الصالح، والإيمان كما قال عليه الصلاة والسلام:
((ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وأقر به اللسان، وصدقه العمل))
[أخرجه ابن النجار، والديلمي في الفردوس عن أنس) قال العلائي: حديث منكر تفرد به عبد السلام بن صالح العابد قال النسائي: متروك وابن عدي: مجمع على ضعفه وقد روى معناه بسند جيد عن الحسن من قوله وهو الصحيح إلى هنا كلامه وبه يعرف أن سكوت المصنف عليه لا يرتضى]
 كيف تستقر هذه الحقيقة في القلوب؟ ما منبع الحقيقة؟ من أين نستقي الحقيقة، من أين نأخذها؟ ما مصادرها؟ أين مظانها؟ الحقيقة أيها الإخوة المؤمنون، يمكن أن نأخذها من كتاب لا ريب فيه، من كتاب لا يأتيه الباطل لا من بين يديه، ولا من خلفه، من كتاب هو كلام الله سبحانه وتعالى، من كتاب هو دستور الإنسان، من كتاب هو تعليمات من عند الصانع، من عند الخالق، تعليمات قطعية الثبوت قطعية الدلالة، أو يمكن أن تأخذ هذه الحقائق من تأملك في آيات الله في الكون، الآيات التي بثها الله سبحانه وتعالى في الكون دالةٌ على وجود الله، ودالةٌ على أسمائه الحسنى، ودالة على عظمته، وأما المصدر الثالث للحقيقة التي هي أساس العلم، الذي هو أساس العمل الذي هو أساس السعادة، والشقاء، سلسلة، مجموعة مقدماتٍ تترابط بمجموعة نتائج، السعادة، والشقاء الأبديان منوطان بالعمل في الدنيا فأن كان صالحاً أسعد صاحبه، وإن كان سيئاً أشقى صاحبه، والعمل الصالح يحتاج إلى إيمان، والإيمان حالةٌ من اليقين، حالة تستقر فيها الحقائق في النفس، ما وقر بالقلب، وأقر به اللسان، وصدقه العمل ولكن هذا الإيمان من أين نأخذه؟ من أين نستقيه؟ المصدر الأول هو كتاب الله، والمصدر الثاني لمن يقرأ كتاب الله؛ الكون:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُون ﴾
[سورة يوسف 105]
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِق﴾
سورة الطارق[5]
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾
سورة عبس[24]
﴿وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾
سورة الذاريات[20]
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون ﴾
سورة الذاريات [21]

 وأما المصدر الثالث: الذي هو موضوع هذه الخطبة، الحوادث.
 الكون مصدر، والقرآن مصدر، والحوادث مصدر دقيق، دقيق واضح، واضح لمعرفة الحقيقة، يؤكد هذا المصدر قول الله سبحانه وتعالى:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)﴾
[سورة الفيل]
 سأل بعض طالبي العلم، كيف يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿أَلَمْ تَر﴾
 مع أن النبي ولد بعد حادثة الفيل بخمسين يوماً، كان جنيناً في بطن أمه، فكيف يخاطبه الله سبحانه وتعالى بقوله:
﴿أَلَمْ تَر﴾
 استنبط العلماء من هذه الآية أن الأخبار المتواترة؛ ومعنى التواتر: أن ينقل جمعٌ غفيرٌ من الثقاة العدول عن الثقاة العدول خبراً واحداً، هذا الخبر يصبح بمرتبة اليقين، والقرآن الكريم يعبر عن العلم بالرؤيا، وعلماء النحو يقولون: هناك رؤيا بالبصر، وهناك رؤيا بالبصيرة، رؤيا البصر، تنصب مفعولاً به واحداً تقول: رأيْتُ الشمسَ، ورؤيا البصيرة، تنصب مفعولين به، رأيت العلمَ نافعاً، فنافعاً مفعول به ثان، إذاً رأى، يعبر عنها القرآن الكريم بالرؤية القلبية؛ أي بالعلم، إذاً حصل للنبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم علمٌ يقينيٌّ، بوقوع حادثة الفيل
﴿أَلَمْ تَر﴾
 وقد قيل: إن أناساً كثيرين، كانوا من المعمرين، وقد شهدوا حادثة الفيل، بأعينهم، وقد أدركوا بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، فلو لم تكن الآية صادقةٌ مائةً في المائة لتكلم هؤلاء، وانتقدوا، وكذَّبوا، وردُّوا:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)﴾
 شيءٌ دقيق، هو أن للقرآن خصوصٌ، وعموم، فخصوص هذه الآية متعلقة بأصحاب الفيل، وعموم هذه الآية متعلقةٌ بكل إنسانٍ إلى يوم القيامة.
 فانظر أيها الأخ المؤمن، انظر لمن كسب المال الحرام، ما مصيره؟ انظر إلى من اعتدى على حقوق العباد، ما مصيره؟ انظر لمن ظلم زوجته في البيت، كيف أن حياته تشحن بالشقاء، والتعاسة.
﴿أَلَمْ تَرَ﴾
 عموم هذه الآية عمومها يعنينا جميعاً، تتبع حالة الناس، قال تعالى:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾
[سورة الأنعام]
 وفي أية أخرى:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)﴾
[سورة النمل]
 أية:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا﴾
 هذه للعقوبات التي تأتي عقب المخالفات، وآية:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا﴾
 هذه الآية للعقوبات التي تتراخى عن الذنوب، قد يأكل الإنسان مالاً حراماً، ويعيش عشر سنين متمتعاً بهذا المال، ثم تأتي ضربة قاضية تمحق له هذا المال هذه القصة محمولة على قوله تعالى:
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا﴾
 وقد يحلف الإنسان يميناً غموساً، فما إن يغادر قاعة المحكمة حتى يقع على الأرض مشلولاً، هذه القصة تحمل على قوله تعالى:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا﴾
 أيها الإخوة الأكارم: ليس المقصود حادثة الفيل، إنها وقعت والتاريخ ذكرها، والناس يعرفونها، ولا شيء يدعو إلى الشك فيها ولكن المقصود أن يتوجه الإنسان ليستنبط الحقائق الأساسية من خلال معاملة الله لخلقه، هذا الشاب الذي نشأ في طاعة الله، كيف أن الله سبحانه وتعالى يوفقه، يرفعه من مرتبة إلى مرتبة، كيف أن الله سبحانه وتعالى يصلح باله، كيف أن الله سبحانه وتعالى يبارك له في وقته، يبارك له في زوجته، يبارك له في أولاده، يبارك له في عمله في تجارته، كيف أنه يعيش محمود السيرة، ذائع الصيت، له سمعة عطرة، هذا الذي ينشأ في طاعة الله، هذا مصيره، وهذا الذي ينشأ في معصية الله تتبعوا أحواله، كيف أن الحياة تصبح عنده جحيماً لا يطاق كيف أن الله سبحانه وتعالى يشتت شمله، يبعثر أمره، يجعله في ضيقٍ لو وزِّع على أهل بلدٍ لكفاهم، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد والدرامي]
 فليس المقصود من هذه السورة حادثة الفيل، إنما المقصود كل إنسانٍ في كل زمان، ومكان قال تعالى:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)﴾
(النمل)
 هذا الذي أكل مالاً حراماً، هذا الذي اعتدى على أعراض الناس هذا الذي بنى مجده على أنقاض الآخرين، هذا الذي بنى بناه على فقرهم، هذا الذي بنى حياته على موتهم، كيف أن الله سبحانه وتعالى له بالمرصاد، وكيف أن الذي استقام على أمر الله سعد في الدنيا والآخرة، يمكن أن تستنبط الحقائق لا من القرآن فحسب، لا من الكون فحسب، بل من الحوادث التي تجري كل يوم تحت سمع الإنسان وبصره
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)﴾
 بعض العلماء قالوا: لمَ لم يقل الله عز وجل ألم تر ما فعل ربك بأصحاب الفيل؛ يعني ألم تر فعل الله بأصحاب الفيل، ولكن الآية تقول:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)﴾
 أصحاب الفيل دليل على عدالة الله، وعلى تصرفه وعلى تسييره، وعلى أنه بالمرصاد، ودليل آخر على الكيفية التي تمت بها هذه الحادثة؛ يعني سبب ضعيفٌ جداً
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) ﴾
 الإنسان قد يكيد، والكيد هو التدبير في الخفاء، وليس في العلانية، وغالباً الضعيف هو الذي يدبر في الخفاء، والله سبحانه وتعالى مطلعٌ عليه، ولأن الله مطلع على هذا التدبير، أصبح هذا التدبير لا قيمة له، لأنه قوة التدبير في خفائه فإذا كان مكشوفاً بطل مفعوله، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)﴾
[سورة الأنفال]
 وقال تعالى:
﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17)﴾
[سورة الطارق]
 الله سبحانه وتعالى يدافع عن الذين آمنوا، الله سبحانه وتعالى ينصر المؤمن على عدوه، قال تعالى:
﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُم﴾
[سورة آل عمران 160]
 المؤمن الحق كما قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه الكريم:
﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾
(الطور)
 إنك برعايتنا. إنك بحفظنا، إنك بتدبيرنا، إنهم يكيدون كيداً لك. يردُّ كيدهم.
 فيا أيها الإخوة المؤمنون: هذه السورة القصيرة، على قصرها فيها حكم بليغة، الإنسان إذا عرف أن الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء، وما من شيء يقع إلا بإذنه، ومن بعد علمه عندئذٍ، يجعل همومه هماً واحداً، هو أن يرضي خالقه، من جعل الهموم هماً واحداً، كفاه الله الهموم كلها، اعمل لوجهٍ واحد يكفك الوجوه كلها
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)﴾
(الفيل)
  ماذا حقق أبرهة الأشرم حينما توجه بجيشٍ عظيم من اليمن إلى مكة المكرمة ليهدم الكعبة؟ هذا الكيد هل حققه؟ لذلك في القرآن الكريم آية واحدة لا مثيل لها تتحدث عن التوفيق، وليس في القرآن آية أخرى في معناها، وهي قوله تعالى:
﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ﴾
[سورة هود 88]
 أي أن عملاً على وجه الأرض، لا يتحقق إلا بتوفيق الله، أي عمل صغير كان أم كبير، جليل كان أم حقير، مادي كان أم معنوي، أي عمل لا يتحقق إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى:
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)﴾
 ضاع جهدهم هباءً منثوراً، ضاعت مالهم هباء منثوراً، فلذلك إذا حرم الإنسان التوفيق في الدنيا، تضيع أوقاته سدى، وتضيع جهوده سدى، ويضيع عمره سدى، ويأتي يوم القيامة، وقد خسر كل شيء وذلك هو الخسران المبين
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)﴾
 بين أن تفعل فعلاً يرضى الله عنه، فينقلك به من حالٍ إلى حال، ومن مرتبةٍ إلى مرتبة، ومن مكانةٍ إلى مكانة، ومن قربٍ إلى قرب، وبين أن تفعل فعلاً، لا يرضي الله عز وجل، تهدر به وقتك، وتهدر به مالك، وتهدر به صحتك، ثم يأتي يوم القيامة صاحب هذا العمل صفر اليدين لا يستطيع أن يفعل شيئاً.
 يا أيها الإخوة المؤمنون:
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (3)﴾
 قال العلماء: الطير الأبابيل، أضعف أنواع الطير، جيش عظيم، فيه فيلٌ كبير، فيه عددٌ كثير، فيه عُدَد، يأتي طير ضعيف يرمي عليه حجارة من سجيل، فيجعله كعصف مأكول، ما العصف المأكول؟ الطعام المأكول، الروث الذي تبعثر في الأرض، يعني شبه هذا الجيش العظيم، الذي أتى ليعتدي على الكعبة المشرفة، شُبه بطعام مأكولٍ أصبح روثاً مبعثراً، وفي بعض التفاسير، أنه قمحٌ، أُكِل القمح، بقي التِّبن، وما قيمة التبن المبعثر؟ إن ضعف هذا الجيش بعد أن أصابه الطير الأبابيل هو كالتبن تذروه الرياح.
 يا أيها الإخوة المؤمنون: المقولة الثابتة، أن السعيد من اتَّعظ بغيره والشقي دائماً لا يتعظ إلا بنفسه، تتبَّع الزاني، كيف يشقى في زواجه.
((تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الله لا يحب الذواقين والذواقات))
[أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي موسى]
 هذا الذي له تجارب قبل الزواج، كيف أن زواجه يصبح قطعة من الجحيم، تتبع الذي كسب المال الحرام كيف أن المال ينفق على صحته، ويتلف، ويؤخذ منه قهراً، قال عليه الصلاة والسلام:
((من أصاب مالاً في نهاوش، أذهبه الله في نهابر))
[رواه القضاعي عن أبي سلمى الحمصي مرفوعا، وكذا في الميزان في ترجمة عمرو بن الحصين، لكن أبو سلمة الحمصي ضعيف ولا صحبة له، وعزاه الديلمي ليحيى بن جابر وليس هو أيضا بصحابي، قال التقى السبكي لا يصح، وفي رواية من جمع مالا من نهاوش أذهبه الله في نهابر، وفي رواية من تهاوش (1) بفتح التاء وكسر الواو جمع تهوش وأخطأ من ضم الواو، وهو بمعناه كما في النهاية، والمعنى من أصاب مالا من غير حله أذهبه الله في مهالك وأمور متبددة، وروى مهاوش بالميم]
حديثٌ يبدو لكم غريباً، المهاوش؛ يعني أخذ مالاً بالاحتيال، ينفق عليه من أصاب مالاً في مهاوش، أتلفه الله في نهابر، يؤخذ منه نهباً، هو حصله احتيالاً، يؤخذ منه نهباً، أما الذي حصَّل المال وفق قواعد الشرع، ووفق الحلال، والحرام، فإن هذا المال يبارك الله به فيه يتقوَّى به على طاعة الله، يعطيه الله بهذا المال صحةً، وقوةً، ومن كل ما تشتهيه النفس، وما تلذُّ الأعين.
 أيها الإخوة المؤمنون: الذي أريد أن المؤمن إذا قرأ القرآن، لا ينبغي أن يبقى عند خصوص السبب، خصوص الحدث، ينبغي أن ينتقل إلى عموم السبب، فكل إنسان من معاملة الله تستطيع أن تستنبط القواعد الأساسية في تعامل الله مع عباده، أي إنسان، من أخلص في عمله، درَّ عليه هذا العمل ربحاً وفيراً، من غشَّ في عمله، شكا الفقر والفاقة، خلافاً لما يبدو لبعض الناس، في أن من يغشّ يربح الكثير على المدى القصير، لكن بعدئذٍ يدمر تدميراً كاملاً، لذلك الإنسان في عمله إذا طبق أمر الله سبحانه وتعالى وفقه الله في عمله، في زواجه في كل منحى من مناح حياته، لقول الله عز وجل:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾
[سورة الإسراء 9]
 إذاً هذه السورة القصيرة:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)﴾
(الفيل)
 يمكن أن تطبق في حالات كثيرة، أي إنسان أقرب الناس إليك إذا حاد عن طريق الحق، إذا غشَّ في بيعه وشرائه، إذا أكل مالاً حراماً، إذا رمى بالقرآن خلف ظهره، إذا لم يعبأ بأوامر الله عز وجل، إنه سوف يشقى في الحياة الدنيا، ألم يجعل كيده في تضليل. لا يوفق تضيع أمواله، وتضيع أوقاته، وتضيع جهوده، ويضيع عمره سدى، أما إذا أخذ أمر الله عز وجل ونفذَّه، فإن الله سبحانه وتعالى يبارك له في كل شيء، في عمره، وفي ماله، وفي أهله، وفي عمله، وفي كل شيء.
 أيها الإخوة المؤمنون: الشيء الآخر
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)﴾
 وقول الله عز وجل:
﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) ﴾
(الطارق)
 وقوله:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
(الحج)
 لو كاد لك عدوك أيها الأخ الكريم، فإن الله سبحانه وتعالى يدافع عنك، هكذا يقول الله عز وجل:
﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ﴾
(آل عمران)
 وكفاك نصراً على عدوك أنه في معصية الله.
 أيها الإخوة المؤمنون: قصار السور في الجزء الثلاثين من القرآن الكريم فيه حقائق أساسية، في معرفة الله عز وجل، وفي أسمائه الله الحسنى، وفي صفاته الفضلى، وفي طريقة تعامله مع العباد، فمن قرأ هذه السورة في الصلاة، فعليه أن يجعلها واسعة المعنى شاملة المدلول بحيث تتجاوز خصوص مناسبتها، إلى عموم سببها.
 أيها الإخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني..
***
 الخطبة الثانية:
 أيها الإخوة الكرام:
 يقول الله سبحانه وتعالى، في كتابه العزيز:
﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ﴾
[ سورة الأنبياء: آية " 30 " ]
 الحياة على وجه الأرض، حياة الإنسان، وحياة الحيوان، وحياة النبات، قوامها الماء، فالماء هو الوسيط الوحيد، الذي يحمل الأملاح والمواد الغذائية، منحلةً فيه، إلى الكائن الحي، ولولا الماء لما كان على وجه الأرض حياة.
 ولكن، من منا يصدق، أنني وقفت عند رقمٍ أذهلني، أنه في كل ثانيةٍ حصراً، في كل ثانيةٍ تمضي، يهطل من السماء إلى الأرض على مستوى الكرة الأرضية، ستة عشر مليون طن من الماء:
﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ﴾
 من أجل قوام الحياة، تسقط في كل ثانيةٍ ستة عشر مليوناً من الأطنان من الماء، تسقط من السماء إلى الأرض، ولكن هذا السقوط يتبدَّى فيه اسم اللطيف، لو أن هذا الماء هوى على الأرض، بشكلٍ متصل مجمَّع لأتلف كلَّ شيء، ولحطَّم كل شيء، ولأنهى الحياة، ولكنه ينزل على شكل قطراتٍ صغيرةٍ فيها لطفٌ، وفيها رحمةٌ، وفيها حكمة.
 رقم ثالث قرأته هذا الأسبوع، ترك في نفسي أثراً بليغاً، هو أن المناطق الرعوية، في بلدنا الحبيب، بفضل الأمطار الغزيرة، التي انهمرت هذا العام، أنبتت هذه المناطق من العشب الرعوي الذي تأكله الماشية، ما لو أردنا أن نستورده لكلَّف عشرة ألاف مليون ليرة، عشر مليارت ليرة ثمن العشب الذي ترعاه الماشية، لو أننا أردنا أن نستورد أعلافاً لإطعام المواشي في بادية الشام، لكان ثمن هذه الأعلاف يزيد عن عشرة ألاف مليون ليرة، بالأمطارٍ الغزيرة التي تفضَّل الله بها علينا هذا العام، وفَّرت علينا دفع هذه المبالغ الطائلة ثمناً للأعلاف.
 يا أيها الإخوة المؤمنون... حينما يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)﴾
[ سورة الذاريات ]
 إن الطعام الذي نأكله، ما كان ليكون لولا تلك الأمطار التي تنزل من السماء.
 حدثني أحد الأخوة الأكارم، أن هناك محصولاً من الفواكه والثمار في هذا العام، ما لا يمكن تصوُّره. قلت: سبحان الله، الله سبحانه وتعالى هو المسعِّر، تتضاعف الكميات بأمطارٍ غزيرة، فتصبح وفيرة، فتهبط الأسعار.
 أيها الإخوة المؤمنون:
﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)﴾
[ سورة الذاريات ]
﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)﴾
[ سورة الحجر: آية " 21 " ]
 من إن الله سبحانه وتعالى، هو الرزاق ذو القوة المتين، فمن ستة عشر مليون طن من الماء، في الثانية الواحدة، إلى أمطارٍ وفَّرت عشرة آلاف مليون من الليرات ثمناً للأعلاف، هذه الأرقام لها دلالاتٍ عند المؤمنين، هذا عطاؤنا:

﴿كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20)﴾
[ سورة الإسراء ]
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)﴾
[ سورة عبس ]
الدعاء
 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك اللهم هب لنا علاً صالحاً يقربنا إليك
والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://moslmoon.rigala.net
 
الخطبة الاولى:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ابتهالات دينية ---- المجموعة الاولى
» المجموعة الاولى - أناشيد بدون ايقاع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نافذة الإسلام الصحيح :: قراءات اسلامية-
انتقل الى: