عداء اليهود ومناقشاتهم
عُرف بعض اليهود بالمدينة بشدة عداوتهم لرسول الله
مع أن علماءهم كانوا يعرفون أنه سيبعث نبي وكانوا يعرفون صفاته من التوراة، فمن أعدائه الذين انتصبوا لعداوته حُيَيّ وأبو ياسر، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع وكعب بن الأشراف، وعبد الله بن صوريا وابن صلوبا، ومخيريق الذي أسلم بعد، ولبيد بن الأعصم الذي حرّضه اليهود وسحر النبي
ثم جاء جبريل وأخبره بذلك السحر وبمكانه وعفا عنه رسول الله، وقال: أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرا (يعني بقتله).
ومنهم مالك بن الصلت، وقد كان من أحبار اليهود ورئيسا فإنه قال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فانظر كيف أدى به عداؤه لرسول الله
إلى الكفر بنبينا وبموسى عليهما السلام وبما أنزل عليهما، فقالت اليهود له: ما هذا الذي بلغنا عنك؟ فقال: إنه أغضبني فقلت ذلك فنزعوه من الرياسة وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف.
وممن كان من أحبار اليهود حريصا على رد الناس من الإسلام شأس بن قيس اليهودي، كان شديد الطعن على المسلمين، شديد الحسد لهم، مرّ يوما على الأنصار: الأوس والخزرج وهم مجتمعون يتحدثون فغاظه ما رأى من أُلفتهم بعدما كان بينهم من العداوة، فقال: قد اجتمع بنو قيلة والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار، فأمر فتى شابا من اليهود فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكر يوم بعاث: أي الحرب، التي كانت بينهم وما كان فيه وأنشدهم ما كانوا يتقاولون به من الأشعار، ففعل فتكلم القوم عند ذلك وذكر كل أقوال شاعرهم وتنازعوا وتواعدوا على المقاتلة فنادى هؤلاء: يا آل الأوس، ونادى هؤلاء: يا آل الخزرج، ثم خرجوا للحرب وقد أخذوا السلاح واصطفوا للقتال.
فلما بلغ الخبر رسول الله
خرج إليهم فمن كان معه من المهاجرين فقال: «يا معشر المسلمين الله الله اتقوا الله، أَبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله إلى الإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا»؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوكم فبكوا وعانق الرجال من الأوس الرجال من الخزرج ثم انصرفوا مع رسول الله
سامعين مطيعين، وأنزل الله في شأس بن قيس: {قُلْ يأَهْلَ الْكِتَبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجا وَأَنْتُمْ} (آل عمران: 99)، وأنزل الله في الأنصار: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقا مّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَنِكُمْ كَفِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءايَتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَى صِرطٍ مّسْتَقِيمٍ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: 100 - 103).
وقد كان اليهود يسألون النبي
عن أشياء تعنتا وحسدا وبغيا ليلبسوا الحق بالباطل، فجاء مرة يهوديان إلى رسول الله فسألاه عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءايَتٍ} (الإسراء: 101)، فقال لهما: «لا تشركوا بالله شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا المحصنة، وعليكم يا يهود خاصة ألا تعدوا في السبت»، فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنك نبي، قال: «ما يمنعكما أن تسلما؟» فقالا: نخاف إن أسلمنا تقتلنا اليهود.
وسألوه
مرة: فقالوا: أخبرنا عن علامة النبي، فقال: «تنام عيناه ولا ينام قلبه».
وسألوه أي طعام حرَّمه إسرائيل على نفسه قبل أن تنزل التوراة، قال: «أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام مرض مرضا وطال سقمه فنذر لئن شفاه الله تعالى من سقمه ليحرمنّ أحب الشراب إليه وأحب الطعام إليه؟ فكان أحب الطعام إليه لحم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها»، قالوا: اللهم نعم.
وقالوا مرة إغاظة له
ما يرى لهذا الرجل همَّة إلا في النساء والنكاح فلو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوَّة عن النساء، فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} (الرعد: 38)، فقد جاء أن سليمان عليه السلام كان له مائة امرأة وتسعمائة سرية.
وقد انضم إلى اليهود جماعة من الأوس والخزرج منافقون على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث إلا أنهم دخلوا في دين الإسلام خشية القتل لما قهرهم الإسلام بظهوره واجتماع قومهم عليه فكان هواهم مع اليهود في السر وفي الظاهر مع المسلمين وهؤلاء هم المنافقون، وقد ذكر بعضهم أن المنافقين الذين كانوا على عهد النبي
ثلاثمائة، منهم: عبد الله بن أبي بن سلول وهو رأس المنافقين ولاشتهاره بالنفاق لم يعد في الصحابة، وكان من أعظم أشراف أهل المدينة وكانوا قبل مجيئه
قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه، وكان عبد الله بن أُبي جميل الصورة ممتلىء الجسم فصيح اللسان وهو المعني بقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَمُهُمْ} (المنافقون: 4).