الحمد لله الذي بدأ الخلق ثم يعيده وهو على كل شيء قدير والحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه فيجازيهم بعملهم والله بما يعملون بصير فسبحانه من رب عظيم وإله غفور رحيم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الخلق والملك والتدبير وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير أرسله الله بين يدي الساعة فختم به الرسالة وأكمل له الدين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد أيها الناس: اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً اتقوا يوماً يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة. اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون يوماً يجمع الله فيه الخلائق الأولين منهم والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، أجسامهم عارية وأقدامهم حافية وقلوبهم وجلة خائفة مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1،2] لا تغرنكم الحياة الدنيا بزخارفها ولذاتها فإنها فيء زائل عن قريب ثم تنقلون إلى الدار الآخرة لتجزوا بما كنتم تعملون فحققوا رحمكم الله عبادة ربكم واتقوه لعلكم تفلحون ومن عذاب الآخرة تسلمون فلا سلامة من عذاب الله إلا بتقوى الله كونوا من الذين قالوا سمعنا وأطعنا فالقرآن يتلى عليكم وأنتم تتلونه بأنفسكم وفيه موعظة وشفاء لما في الصدور فاتعظوا بما فيه ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون قالوا علمنا وهم لا يعلمون ألم تعلموا أن أمامكم يوماً تشيب فيه الولدان وتندك صم الجبال ويذهل فيه المرء عن القريب والصديق والخلان ألم يبلغكم أن الله يطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون، وأن الأرضين بيده الأخرى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ألم يبلغكم ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ((يقول الله تعالى يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير كله في يديك فيقول الله له أخرج بعث النار من ذريتك قال آدم وما بعث النار قال من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعون فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)) ولما حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بهذا الحديث فتح الله عليهم أن يسألوا نبيهم يا رسول الله وأينا ذلك الواحد فقال أبشروا فإن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً ثم قال والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله فقال أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله فقال أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله ثم قال ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود أيها المسلمون ألم تعلموا أن الأرض يومئذ تحدث أخبارها فتشهد على كل أحد بما عمل عليها من خير أو شر ألم تعلموا أن الرجل يختم على فمه ويقال لأركانه انطقي فتنطق بما عملت: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:24،25] وفي الكتاب والسنة من تفاصيل أحوال ذلك اليوم ما هو عبرة للمعتبرين وموعظة للمتقين اقرؤوا قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} إلى قوله {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:16-30] فإن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.. الخ.