قال الحسن البصري: نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن وذلك لأنه عمل فيها قليلا وأخذ منها زاده إلى الجنة، وبئست الدار الدنيا كانت للكافر والمنافق، وذلك لأنه أضاع فيها لياليه، وأخذ منها زاده إلى النار.
وخطر الأوقات والأنفاس كذلك مع كونها رأس مال العبد وفرصة الأعمال الصالحة، أن عدد الأنفاس التي قدرها الله عز وجل لنا غيب فلا يدري متى تذهب أنفاسه حياته. وقال ايضا
يا من بدنياه انشغل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل
قال الحسن: المبادرة المبادرة إنما هي الأنفاس، لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل، لو حبست انقطعت عنكم ثم بكى على عدد ذنوبه، ثم قرأ: إنما نعدّ لهم عدا آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك.
فالله عز وجل قدر لنا عددا محددا من الأنفاس فكلما تنفس العبد نفسا سجل عليه، حتى يصل العبد إلى آخر العدد المقدر له، عند ذلك يكون خروج النفس، وفراق الأهل، ودخول القبر، وينتقل العبد من دار العمل ولا حساب إلى دار الحساب ولا عمل، فمن كان يمشي على ظاهر الأرض بالطاعة والمعصية، يصير محبوسا في باطنها مرتهنا بعمله.
وإنما يدرك العبد خطر الوقت والعمر إذا فقد هذه النعمة فعند ذلك يتمنى أن يرجع إلى الدنيا لا من أجل أن يجمع حطامها وشهواتها، بل من أجل أن يجتهد في طاعة الله عز وجل، وتتجدد له هذه الأمنية وهذا الطلب كلما عاين أمرا من أمور الآخرة.