الحنيفية ديانة إبراهيم
(عليه السلام)
بحث وتحقيق
عبـد اللطيـف زكـي أبو هــاشم
مدير دائرة التوثيق والمخطوطات والمكتبات
في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية
مقدمة
في هذا البحث المتواضع أردت أن أدرس تطور كلمة حنيف من حيث معناها اللغوي والاصطلاحي الذي ظل يطق عليها عدة قرون وما زال، ثم تتبعت تطور الكلمة في المعاجم اللغوية قديمها وحديثها، ودونت في نهاية الفصل النتائج التي خلصت إليها، وهذا كله ورد في الفصل الأول.
أما في الفصل الثاني فقد درست كلمة (الحنيف) في القرآن حيث وردت في اثنتي عشرة آية، فقمت بدراسة تفاسير هذه الآيات من الأقدم فالأحدث، مبتدئاً بالطبري ومنتهياً بتفسير المنار، وبعد ذلك دونت عدة ملاحظات قد خلصت إليها من خلال الدراسة .
الفصل الثالث: وهو عن الحنيفية في الحديث الشريف حيث قمت بدراسة الأحاديث التي وردت فيها كلمة (حنيف) (وحنفاء)واطلعت على شروح تلك الأحاديث ودونت ملاحظاتي في نهاية الفصل.
الفصل الرابع: وهو عن الأحناف قبل الإسلام حيث قمت بتتبع سير الأحناف الذين كانوا قبل الإسلام كزيد بن عمرو بن نفيل وغيره.
الفصل الخامس: وهو عن العلاقة بين الحنيفية والإسلام حيث قمت ببحث العلاقة ومدى التطور الذي حدث بين الحنيفية والإسلام من خلال ما ورد من الآيات والأحاديث، ومدى التوافق والانسجام بين الحنيفية والإسلام.
و بعد أرجو أن أكون قد أعطيت هذا الموضوع حقه لأنه موضوع جدير بالبحث والدراسة.
الفصل الأول
تعريف الحنيفية: لغة، واصطلاحاً
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: ( الحنف: ميل في صدر القدم ورجل أحنف، ورجل حنفاء ويقال: سميَّ الأحنف بن قيس به لحنف في رجله . وقالت حاضنة الأحنف: والله لولا حنف برجله ما كان في فتيانكم كمثله . والسيوف الحنفية تنسب إليه لأنه أول من عملها، أي: أمر باتخاذها وهو في القياس سيف حنفي. وبنو حنيفة هم من ربيعة. ويقال تحنف فلان إلى الشيء تحنفاً إذا مال إليه حسب حنيف أي: حديث إسلامي لا قديم له.
وقال ابن حبْناء التميمي:
وماذا غير أنك ذو سبال تمسِّحُها وذو حَسَب حنيف
والحنيف في القول: (المسلم الذي يستقبل القبلة البيت الحرام على ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً.والقول الآخر: الحنيف كل من أسلم في أمر الله فلم يلتو في شيء منه[[url=#_ftn1][1][/url][1]] وعرفها أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا في معجمه فقال: (حنف) الحاء والنون والفاء أصل مستقيم وهو الميل، يقال للذي يمشي على ظهور قدميه أحنف. وقال -وأراه الأصح- أن الحنف اعوجاج في الرجل إلى داخل. ورجل أحنف أي مائل الرجلين- وذلك يكون بأن تتدانى صدور قدميه وتتباعد عقباه.والحنيف المائل إلى الدين المستقيم }ولكن حنيفاً مسلماً{ والأصل هذا، ثم يتسع في تفسيره فيقال الحنيف الناسك، ويقال المختون، ويقال يتحنف أي تحرى أقوم الطرق[[url=#_ftn2][2][/url][2]] وقال بن سيده الحنف في القدمين: إقبال كل واحدة منهما على الأخرى بإبهامها، وكذلك في الحافر في اليد والرجل . وقيل: هو ميل كل واحدة من الإبهامين على صاحبتها حتى يرى شخص اصلها خارجاً. وقيل: هو انقلاب القدم حتى يصير بطنها ظهرها .وقيل :ميل في صدر القدم .وقد حنف حنفاً. ورجل أحنف, وبه سمي (الأحنف) لحنف كان في رجله. وحنف عن الشيء وتحنف، مال. والحنيف: المسلم الذي يستقبل قبلة البيت على ملة (إبراهيم) وقيل هو المخلص: وقيل هو من أسلم في أمر الله فلم يلتو في شيء. وقول أبي ذؤيب:
أقامت به كمقام الحنيف شهري جمادى وشهري صفر.
إنما أراد أنها أقامت بهذا المتربع إقامة المتحنف على هيكله سروراً بعمله وتدينه لما يرجوه على ذلك من الثواب. وجمعه حنفاء وقد حنف وتحنف. والدين الحنيف: الإسلام . والحنيفية، ملة الإسلام . وفي الحديث: أحب الأديان إلى الله الحنيفية السَّمْحة . ويوصف به فيقال: ملة حنيفية .
وقال "ثعلب": الحنيفية الميل إلى الشيء - وليس هذا بشيء.
والحنيفية: ضرب من السيوف، منسوبة إلى أحنف لأنه أول من عملها، وهو من المعدول الذي على غير قياس. والحنفاء: فرس "حجر بن معاوية" وهو أيضاً فرس "حذيفة بن بدر[[url=#_ftn3][3][/url][3]] وقد عرفها الراغب الأصفهاني تعريفاً آخر حيث قال: (الحنف: هو ميل عن الضلال، إلى الإسلام، والحنف ميل عن الاستقامة إلى الضلال، والحنف هو المائل إلى ذلك قال عز وجل }قانتاً لله حنيفاً{ وقال: }حنيفاً مسلماً{ وجمعه: حنفاء، قال عز وجل: }واجتنبوا قول الزور حنفاء لله{، وتحنف فلان أي تحرى طريق الاستقامة، وسمت العرب كل من حج أو اختتن حنيفاً تنبيهاً أنه على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم، والأحنف من في رجله ميل سمي بذلك التفاؤل وقيل بل استعير للميل المجرد[[url=#_ftn4][4][/url][4]] (وقد أورد علماء اللغة معنى كلمة حنيف، الحنيف: قال ابن قتيبة: المستقيم، وقيل للأعرج: حنيف نظراً له إلى السلامة. وقال مكي بن أبي طالب: هو الذي لا يرجع عن دينه، وقال أبو حيان في معنى حنفاء: على دين إبراهيم على نبينا وعليه السلام، ثم سمي به من يختتن ويحج البيت في الجاهلية ثم الإسلام. وأصل الحنف الميل[[url=#_ftn5][5][/url][5]] (وقال الجوهري في التاج (الحنف: الاعوجاج في الرجل وهو أن تقبل إحدى إبهامي رجليه على الأخرى والرجل أحنف، ومنه سمي الأحنف بن قيس، واسمه صخر.وقال ابن الأعرابي: هو الذي يمشي على ظهر قدمه من شقها الذي يلي خنصرها.يقال: ضربت فلاناً على رجله فحنفتها .والحنيف: المسلم، وقد سمي المستقيم بذلك كما سمي الغراب أعور. وتحنف الرجل، أي عَمِلَ عَمَلَ الحنيفية، ويقال اختتن، ويقال اعتزل الأصنام وتعبد. قال جران العود:
ولما رأين الصبح بادرن ضوءه وأدركن اعجازاً من الليل بعدما
| | رسم قطا البطحاء أوهن أقطف أقام الصلاة العابد المتحنٌّف
|
والحَنْفاء: اسم فرس حذيفة بن بدر الفزاري . والحنفاء: اسم ماء لبني معاوية ابن عامر بن ربيعة.حنيفة: حيّ من العرب، وهو حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل[[url=#_ftn6][6][/url][6]] وقال الضغاني في تكملته وتذييله لكتاب الصحاح: (حنف: وحسب حنيف أي حديث إسلامي لا قديم له.
قال ابن حبناء:
وماذا غير أنك ذو سبال تمسحها وذو حسب حنيف
وقد سموا حنيفاً مصغراً، قال الضحاك والسدي في قوله تعالى: }حنفاء لله غير مشركين به{ قال: حجاجاً .وقال ابن الأعرابي: الحنفاء: شجرة. والحنفاء: الأمة المتلونة، تكسل مرة وتنشط أخرى.
ويقال: تحنف فلان إلى الشيء تحنفاً: إذا مال إليه . الحنيف القصير والحنيف: الحذاء
والحنفاء: القوس والموسى، والسلحفاة، والحرباء، والأطوم، وهي سمكة في البحر كالملكة.
وأما محمد بن الحنفية، فالحنفية أمه، وهي خولة بنت جعفر بن قيس، بن مسلمة، من بني حنيفة بن لجيم[[url=#_ftn7]
[7][/url]
[7]] (وقال مجدد مصطلحات الصحاح (الحنيف المسلم، وقد سمّي المستقيم بذلك، وتحنف الرجل أي عمل الحنيفية، ويقال اختتن ويقال اعتزل الأصنام وتعبد[[url=#_ftn8]
[8][/url]
[8]] (ولم يختلف الأزهري صاحب تهذيب اللغة في تعريف كلمة (حنيف) عمن سبقه، ولكن أورد تعريفاً آخر لا نجده في المعاجم التي استقرأناها وهي (من كان على دين إبراهيم فهو حنيف).
قالوكان عبدة الأوثان في الجاهلية يقولون: نحن حنفاء على دين إبراهيم، فلما جاء الإسلام سموا المسلم حنيفاً[[url=#_ftn9]
[9][/url]
[9]] (ولنا مع العلامة ابن منظور وقفة في تعريفه لهذه الكلمة ولذلك المصطلح (حنيف) فقد عرفها هذا العلامة في معجمه الجامع (لسان العرب) فقال(الحنيف المائل من خير إلى شر أو من شر إلى خير قال ثعلب ومنه أخذ الحنف والله أعلم. وحنف عن الشيء وتحنف: مال.
والحنيف: المسلم الذي يتحنف عن الأديان أي يميل إلى الحق, وقيل هو الذي يستقبل قبلة البيت الحرام على ملة إبراهيم ,على نبينا وعليه الصلاة والسلام,وقيل :هو المخلص وقيل: هو من اسلم في أمر الله فلم يلتو في شيء فهو حنيف.
ومعنى الحنيفية في الإسلام الميل إليه و الإقامة على عقد. والحنيف الصحيح الميل إلى الإسلام والثابت عليه. والحنيف في الجاهلية من كان يحج البيت ويغتسل من الجنابة ويختتن من جاء الإسلام كان الحنيف المسلم، وقيل له حنيف لعدوله عن الشرك، قال وانشد أبو عبيد في باب نعوت الليالي في شدة الظلمة في الجزء الثاني:
فما شِبْه كعب غير أعْتم فاجر أبى، مُذْ دجا الإسلام، لا يتحنَّف[[url=#_ftn10]
[10][/url]
[10]] (وقال صاحب معجم (مجمع البحرين) حنف (ولكن حنيفاً): الحنيف :المسلم المائل إلى الدين المستقيم والجمع حنفاء.والحنيف: المسلم لأنه تحنف أي تحرى الدين المستقيم. والحنف محركه :الاستقامة ومنه قوله (دين محمد حنيف) أي مستقيم لا عوج فيه.
و(الحنيف)عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام، وأصل الحنف الميل. ومنه بعثت بالحنيفية السمحة السهلة) أي المستقيمة المائلة عن الباطل إلى الحق.
ومثله (أحب دينكم إلى الله الحنيفية) أي الطريقة التي لا ضيق فيها وحنفاء: يعني مائلين عن جميع الأديان إلى دين الإسلام، مسلمين مؤمنين بالرسل كلهم[[url=#_ftn11]
[11][/url]
[11]] (وقد عرف الحنيفية تعريفاً تفصيلياً الإمام الزبيدي في تاج العروس حيث قال: (الحنف (محركه الاستقامة) نقله ابن عرفه في تفسير قوله تعالى: }بل ملة إبراهيم حنيفاً{ قال: وإنما قيل للمائل الرجل أحنف تفاؤلاً بالاستقامة.
قلت: (أي الزبيدي): والحنف الاعوجاج في الرجل أوان) وفي الصحاح والعباب وهو أن (يقبل إحدى إبهامي رجليه على الأخرى، وهو أن يمشي الرجل على ظهر قدميه[[url=#_ftn12]
[12][/url]
[12]] (ونلاحظ من خلال إيرادنا لعدة تعريفات لهذا المصطلح (حنيف) لغة واصطلاحاً، أن العلماء المتأخرين قد أخذوا عمن سبقهم وهذا شيء طبيعي لا خلاف عليه وهنا لنا وقفة مع المعاصرين في تعريفهم لهذا المصطلح.
قرر مجمع اللغة العربية في القاهرة مصطلح (الحنيفية) حسب ما ورد في كتاب معجم ألفاظ القرآن الكريم ما يلي حنيفاً - حنفاء )
حنف يحنف حنفاً: مال.
والحنيف المخلص الذي اسلم لأمر الله فلم يلتو في شيء من دينه وجمعه حنفاء[[url=#_ftn13][13][/url][13]] (وعرفها الشيخ عبد الله البستاني في معجمه اللغوي ولم يخرج قيد أنملة عن تعريفات القدماء بل تعريفه هو اجترار لما قبله حيث أورد معنى حنيف فقال: (تحنف إلى الشيء مال إليه - وعمل عمل الحنيفية واختتن - واعتزل الأصنام – وتعبد[[url=#_ftn14][14][/url][14]] وعرفها صاحب معجم فاكهة البستان فقرر بأن (الحنيف هو المائل من خير إلى شر ومن شر إلى خير (وهذا مقتبس من لسان العرب) والذي يتحنف عن الأديان أن يميل إلى الحق والتخلص ومن أسلم لأمر الله ولم يلتو والمستقيم[[url=#_ftn15][15][/url][15]] ونفس التعريف أورده المعلم بطرس البستاني في محيطه[[url=#_ftn16][16][/url][16]] واجتره أيضاً صاحب معجم قطر المحيط[[url=#_ftn17][17][/url][17]] وصاحب معجم البستان[[url=#_ftn18][18][/url][18]] والمنجد أيضاً حيث أورد تعريف الحنيف بالمتمسك بالإسلام، كل من كان على دين إبراهيم الموحد في دينه جمع حنفاء[[url=#_ftn19][19][/url][19]] وقد نبه صاحب مقالة (حنيف) في دائرة المعارف الإسلامية فقال: أول ما ينبغي أن نعمله هو البحث عن عبارات قد ترد فيها الكلمة بمدلول مستقل عن الاستعمال القرآني ومما يستوجب الأسف أن معظم هذه العبارات تكتنفها الصعاب الشديدة إما للشك في صحتها وإما لأنها من التداخل والالتباس بحيث تتعرض لكثير من التأويلات. ومن ثم انتهى العلماء إلى نتائج جدّ مختلفة، ففلهوزن (wellhausen) مثلاً يخرج من هذه العبارات بأن (حنيف) كانت تدل في الأصل على الراهب المصراني ويفسر (ده غوي) (decoeje) الكلمة بـ(الكافر ويظن مرجليوت(D.S.margoliouth)
أن حنيف في كل ما وردت فيه "المسلم[[url=#_ftn20]
[20][/url]
[20]] ويرى بعض المستشرقين أن اللفظة من أصل آرامي، وقد كانت معروفة عند النصارى، وأخذها الجاهليون وكانت تطلق على القائلين بالتوحيد من العرب وخاصة على أولئك الذين ظهروا في اليمن ونادوا بالتوحيد وعبادة الرحمن . وهي ديانة ظهرت بتأثير اليهودية والنصرانية، غير أن أصحابها لم يكونوا يهوداً ولا نصارى، وإنما كانوا فرقة مستقلة تأثرت بآراء الديانتين.
وقد ذهب البعض من المستشرقين إلى أن اللفظة من أصل عبراني (Tahannauth) أو من أصل سوري قديم (حنف) (Hanef) ومعناها التحنث وذلك لما لهذه اللفظة من صلة بالزهد والزهاد، وقيل أنها من أصل عربي هو (تحنف) وهي من الكلمات التي لها معان دينية، ويلاحظ أن السريان يطلقون لفظة (حنفه) (Hanfa) على الصابئة، وقد وردت لفظة (حنف) في النصوص العربية الجنوبية، وردت بمعنى صبأ، أي مال وتأثر بشيء ما، ويشير هاملتون جب إلى أن كلمة حنيف هي كلمة معربة عن التعبير الآرامي (Hanfa) الذي هو مصطلح راج في بلاد الشام في الفترة ما قبل الإسلام والذي كان في الأصل يشير إلى الانحراف الوثني .(ويعلق قسطر (KISTER) في بحثه لمصطلح التحنث (AL Tahannuth) تحقيق حول معنى المصطلح فيقول: (إن شرح كلمة تحنث اختلف في الحديثين. ففي حديث ابن اسحق شرحت بتبرر (البر) ولكن في حديث البخاري (تعبد) وقد استبدلها ابن هشام بـ (تحنف) مثبتاً أن الحنيفية يقومون بأعمال الحنيف وفي أحاديث أخرى وردت (تنسك) بدلاً من تحنث وقد أوردها البلاذري بشأن الوحي عن عائشة. وشرح التحنث بالتعبد والتبرر وبذلك نرى أن البلاذري أشار بشرحه إلى الحديثين المختلفين.ويورد قسطر عن بعض الباحثين معنى المصطلح تحنث وهو يقابل تحنف فيقول: (وقد أورد معنى المصطلح (تحنث) بعض الباحثين (بالتحنث) لأن الحنيفية كانوا يتحنثون في الجاهلية واقر ج.هرتشفيلد الذي يفيد أن أصل الكلمة (تحنث) عبري وعارض الارتباط بين تحنف وتحنث، وأعتقد أن افتراض أخذ تحنث كتشكيل خاص يبدو غير ضروري[[url=#_ftn21][21][/url][21]] (وقد أكد شل هد (تكافؤ الضدين للجذر الأصلي (حنفي) وقارنها مع حنث وأشار أن من الممكن أن حنث وتحنث اشتقت من حنف وأن الحنث معنى الحلف كذباً، وتحنث تعني رفض الشرك[[url=#_ftn22][22][/url][22]] (وينقل قسطر عن واط في مقالته (حنيف) أن تحنث كلمة أصلها عبري وتعني عبادة)[[url=#_ftn23][23][/url][23]] (ويخلص الباحث نبيه أمين فارس إلى نتيجة مفادها: أن كلمة حنيف القرآنية، بكل ما تتضمنه من معنى، قد استعيرت بواسطة اللغة العربية مثل الإسلام من لغة النبط، حيث تعني في هذه اللغة الأخيرة أخذ اتباع فرقة من فرق ديانتهم السريانية العربية المتأثرة إلى حد ما بالهيلينية . وبالنظر لتحريم الخمر في القرآن وعند النبط يصعب علينا أن نعتقد ونجزم وجود علاقة أساسية بينهما. وزيادة على ما تقدم فإن بين ديانة الحرانيين التي هي مزيج من السريانية والهيلينية، وبين عبادة النبط كثيراً من اوجه الشبه . وليس من باب الصدف أن يدعي اراميو حران في الأدب الإسلامي نبطاً وكلدانيين غالباً . إن الشيء القليل المعروف من تقاليد هذه الأقوام يلائم الصورة العامة لحضارتهم كما يراها المرء منعكسة عن المصادر الأخرى . أما الأسطورة التي رواها نونوس عن الإله النبطي ليكرغوس والقصة التي ذكرها ثيودور بارقوني عن منشأ الحنفاء في أثينا، فقد صنعتا لتأييد مبدأ معين، ويبدو أثر هذه الهيلينية زيادة على ما تقدم، في أقدم المسكوكات النبطية تلك التي سكها الحارث الثالث 87-62 ق.م [[url=#_ftn24][24][/url][24]].
الخلاصة
نخلص مما سبق إلى عدة نتائج هي الآتية :
1- إن معنى كلمة حنيف في المعاجم العربية جميعها قديمها وحديثها (لغة) أنه الاعوجاج، أو الميل إلى شيء معين، واصطلاحاً هي الميل عن عبادة الأوثان إلى دين إبراهيم
2- تطور المصطلح بعد ذلك حتى أصبح يطلق على كل من اختتن وحج البيت، وامتنع عن أكل ذبائح المشركين كزيد بن عمرو كما سنذكر ذلك فيما بعد . فأصبح يقال على كل من دان بدين إبراهيم أنه حنفي أي مائل عن الشرك وعبادة الأصنام ثم أنه مائل عن اليهودية والنصرانية أيضاً.
3- من خلال سرد عدة تعريفات نلاحظ أن الكلمة طرأ عليها تغيير بعض الشيء وتطورت بعض التطور حيث كانت في البداية تطلق على من مال وانحرف عن الصواب في نظر مشركي العرب وهو عبادة الأصنام وذبح الذبائح لها.
4- أورد بعض علماء اللغة من خلال تعريفاتهم لكلمة (حنيف) بأنها تطلق على الدين المستقيم وهذا الدين بعينه هو دين الإسلام.
5- نلاحظ أن المعاجم الحديثة في إيرادها وتعريفها لكلمة حنيف هي عالة على المعاجم القديمة ولم تأت بشيء جديد يذكر.
أوردنا هذه التعريفات لمصطلح (حنيف) حتى يتسنى لنا دراسة ونشأة وتطور هذا المصطلح لنستطيع أن نخلص إلى نتائج صحيحة مبنية على الاستقراء والمقارنة والربط والتحليل.
الفصل الثاني
(الحنيفية في القرآن)
وردت كلمة حنيف (ج.حنفاء) اثنتي عشرة مرة في القرآن الكريم ، ابتداء من السور المكية المتأخرة وهي في معظم الحالات سبع مرات: (135:2 ،3: 67 ، 4: 125 ، 6: 161 ، 16: 121،124) تقرن بملة إبراهيم وفي تسع مرات (129:2، 67:3، 95، 79:6، 161، 105:10، 120:16، 123، 22:31)، ويعارض الحنيف بالمشرك ويتكلم القرآن مرتين (79:6، 30:30). عن دين الحنيف كدين الإنسان في أول نشأته (دين الفطرة)، وقد أكد القرآن،(67:3) على وجوب التميز بين الحنيف وبين اليهودي أو المسيحى، ولم يرد فعل (اسلم) مرتبطاً بالحنيف غير مرتين (67:3، 125:4)، على أنهما سورتان مدنيتان، وأخيراً أشار القرآن الكريم مرة واحدة إلى دين الحنفاء(5:98) دين القيمة.[[url=#_ftn25][25][/url][25]]
ومن هذه الآيات ما هو مكي وما هو مدني، ومن تلك الآيات ما كان في السياق القرآني بصدر ذكر إبراهيم عليه السلام وملته، ودين الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، وما هنالك من ارتباط السمحة، وهذا ما سندرسه من خلال تفسير الآيات وشروح الأحاديث التي وردت في هذا المضمار الآيات التي وردت فيها كلمة حنيف:
1-}وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين{ [البقرة:135].
2-}ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين{ [آل عمران:67].
3-}قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين{ [آل عمران:95].
4-}ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً{ [النساء:125].
5-}إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين{ [الأنعام:79].
6-}قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين{ [الأنعام:161].
7-}وأن أقم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونن من المشركين{ [يونس:105].
8-}ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين{ [النحل:123].
9-}فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل خلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون{ [الروم:30].
10-}حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق{ [الحج:31].
11-}وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة{ [البينة:4].
تفسير الآيات
الآية الأولى
}وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا{
قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: "يعني تعالى ذكره بقوله كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا . وقالت اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المؤمنين: كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا، وقالت النصارى: كونوا نصارى تهتدوا، تعني بقولها تهتدوا أي تصيبوا طريق الحق كما حدثنا أبو كريب قال ثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمه جميعاً عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبيّ مولى زيد بن ثابت قال حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال (عبد الله بن صوريا الأعور) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد" وقال النصارى مثل ذلك، فأنزل الله عز وجل: }وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين{ احتج الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أبلغ حجة وأوجزها وأكملها وعلمها محمداً نبيه صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد قل للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا، بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي تجمعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي
[url=#_ftnref1][/url]
[url=#_ftnref2][/url]
[url=#_ftnref3][/url]
[url=#_ftnref4][/url]
[url=#_ftnref5][/url]
[url=#_ftnref6][/url]
[url=#_ftnref7][/url]
[url=#_ftnref8][/url]
[url=#_ftnref9][/url]
[url=#_ftnref10][/url]
[url=#_ftnref11][/url]
[url=#_ftnref12][/url]
[url=#_ftnref13][/url]
[url=#_ftnref14][/url]
[url=#_ftnref15][/url]
[url=#_ftnref16][/url]
[url=#_ftnref17][/url]
[url=#_ftnref18][/url]
[url=#_ftnref19][/url]
[url=#_ftnref20][/url]
[url=#_ftnref21][/url]
[url=#_ftnref22][/url]
[url=#_ftnref23][/url]
[url=#_ftnref24][/url]
[url=#_ftnref25][/url]