عتبر اليهود في مصر من أقدم الجاليات اليهودية في العالم خارج اسرائيل. يثبت ذلك ما ورد في أوراق البردي (من نوع جلد الفيل) كما الرسائل والوثائق القانونية المكتوبة باللغة الآرامية، تفيد عن حياة طائفة من الجنود اليهود، كانت تشكل جزءاً من حامية مكلفة بحفظ الحدود المصرية زمن الامبراطورية الاخشيدية. وتغطي تلك الوثائق الفترة من 495 الى 399 قبل الميلاد.
ويعود تاريخ اليهود في الإسكندرية الى زمن تأسيس المدينة، من قبل الاسكندر الأكبر عام 332 قبل. الميلاد، وقد شاركت في بنائها. ومنذ البداية، كانوا يشكلون نسبة عالية من سكان المدينة حتى في زمن خلفاء الاسكندر. وقد منحهم بتولوميس حياً مستقلاً، في اثنتين من المناطق الخمس في المدينة. هذا المجتمع الهائل تم تدميره من قبل جيش تراجان، خلال تمرد عامي 115-117.
وحين قام الفتح العربي لمصر لم يلق الدعم فقط في أوساط الأقباط وغيرهم من المسيحيين ، بل أيضاً من اليهود الذين لم يكونوا راضين عن فساد ادارة سايروس، بطريرك الإسكندرية. ولم يكن يرغب اليهود بالتعاطف مع سادة مصر السابقين. ففي 629، قام الامبراطور هيراقليوس بطرد اليهود من القدس، مما تسبب بمذابح في جميع أنحاء الإمبراطورية، ومنها مصر. وقد نصت "معاهدة الإسكندرية" يوم 8 تشرين الثاني عام641، التي توجت فتح مصر، صراحة على السماح لليهود البقاء في المدينة. وفي رسالته عمر بن العاص، التي كتبها للخليفة عندما دخل الاسكندرية، ذكر أنه وجد 40 ألفاً من اليهود.
وفي ظل الخلفاء الأمويين والعباسيين (641-868)، فإنه لا يعرف الا القليل جداً عن مصير اليهود في مصر. وقد كان حكم الفاطميون بمجموعه ملائماً كثيراً لليهود، قبل أن يأتي الخليفة الحاكم الى السلطة. وفي هذه الفترة، أي فترة حكم الفاطميين، قامت المدارس التلمودية، وحصل اليهود على مناصب عليا في المجتمع المصري ، ومنهم يعقوب ابن كيلليس.
في بداية القرن الثاني عشر، عين اليهودي ابو منجى بن شعيا على رأس وزارة الزراعة. ويعرف على أنه هو من قام بتشييد مغلقات النيل écluse في عام 1112 ، والتي حملت اسمه "بحر ابي منجى". وفي ظل الوزير الأفضل عام(1137) ، كان وزير المالية من التابعية اليهودية، مجهول الاسم.
وقد عرفت حياة الجاليات اليهودية في مصر في القرن الثاني عشر، من خلال شهادات بعض علماء اليهود والسياح الذين زاروا البلد. وحوالي عام 1160 وصل بنيامين توليد الى مصر، فكتب شهادة عامة عن الجالية اليهودية التي التقاها. وبلغ عدد اليهود في القاهرة ما يقرب من 2000 شخص وحوالي 3000 في الاسكندرية، وفي الفيوم هناك 20 أسرة، وفي دمياط 200 ؛ وفي بلبيس إلى الشرق من نهر النيل 300 شخص وفي داميرا 700 .
إن سياسة صلاح الدين (1169-1193) المتزمتة لا يبدو أنها أثرت سلباً على اليهود. وفي 1166، توجه ميمون الى مصر واستقر في الفسطاط، حيث ذاع صيته واشتهر كطبيب. وكان يعالج أسرة صلاح الدين، ومن بعده خلفاءه. وكان لقبه ريس الأمة أو الميلاح (رئيس الأمة أو الأول في الايمان). وفي الفسطاط، في 1180، كتب "مشنة التوراة" ( "تكرار التوراة")، و "موريه نافوخيم" "دليل الضالين).")
تحت ظل السلالة المملوكية البحرية (1250-1390)، عاش اليهود بهدوء نسبي، على الرغم من أنهم اضطروا لدفع ضرائب باهظة من اجل صيانة المعدات العسكرية، كما تعرضوا للمضايقة من جانب القضاة و رجال الدين المسلمون المتشددون.
في يوم 22 يناير 1517، تمكن السلطان التركي سليم الأول، من سحق تمام بيك، آخر سلطان مملوكي، واستولى على السلطة. أحدث سليم الأول تغييرات جذرية في تنظيم الجماعات اليهودية وعين ابراهام كاسترو "مسؤولاً أول عن النقد". خلال فترة حكم سليمان العظيم ، خليفة سليم، أعلن نائب الملك في مصر، أحمد باشا، في 1524 عن نيته بإنشاء دولة مستقلة ذات سيادة. توجه كاسترو الى القسطنطينية من أجل إبلاغ السلطان. لذا، قرر أحمد باشا الانتقام من اليهود من خلال اعتقال العديد منهم. وتم انقاذ اليهود من تهديداته حين قام رجال السلطان باعدام احمد سلطان باشا. وفي 28 آذار ن تحتفل الجالية اليهودية المقيمة في القاهرة بـ "عيد البوريم".
وفقا لـ مناص بن إسرائيل (1656)، "نائب الملك في مصر دائما إلى جانبه، يهودي برتبة الصراف باشي أو المخزنجي، وهو من يجمع الضرائب في البلاد".
اعتبر غزو نابليون لمصر عام 1798، بما حمله من الأفكار وتكنولوجيات الغرب الحديثة بمثابة نقطة تحول في تاريخ اليهود في الشرق الأوسط. فقد أصبح يهود أوروبا مثالاً يحتذى، في حين دخل منطق الحداثة الى الآداب العامة. وبدخولها الى مصر، لعبت الدول الاوروبية دوراً بالغ الأهمية في حماية اليهود والأقليات الأخرى.
مع إندلاع الحرب الأهلية في الولايات المتحدة ووقف صادرات الولايات المتحدة من القطن، أصبحت مصر في 1860 من كبريات الدول المصدرة للقطن الى فرنسا وانجلترا. إن الوضع الجديد وضع مصر في حالة من الغنى سمحت سمحت لها القيام بمشاريع كبرى مثل بناء قناة السويس في عام 1869. وبهذه المناسبة، استطاعت جذب العديد من رجال الأعمال، بمن فيهم يهود، مما أدى الى زيادة عدد السكان اليهود. في مصر.
إن الأزمات الاقتصادية والسياسية الناجمة عن التحديث السريع أدى إلى احتلال مصر التام من جانب انكلترا، وذلك من أجل ضمان اقتصادها. وقد تحولت مصر الى محمية في عام 1914. إلا أن هذه الفترة انتهت مع حصول مصر على الاستقلال عام 1936. مع قدوم عام 1919، تغيرت ظروف اليهود المعيشية تغيراً تاماً، وذلك حين منحت بريطانيا البلاد الاستقلال الاسمي مع المحافظة على السيطرة على مختلف المجالات، بما في ذلك حماية حقوق الأقليات، أي اليهود.
بلغت أعداد الطائفة اليهودية في منتصف القرن التاسع عشر حوالي 7000 نسمة، ثم 25000 في مطلع القرن العشرين. وفي عام 1918 بلغت أعدادهم 60000 نسمة، وحوالي 80000 قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية.
أما نمو عدد السكان اليهود فيفسر جزئياً بهجرة طائفة السفاراد، ما بين أوائل القرن التاسع عشر وفي الربع الأول من القرن العشرين، من بلدان مختلفة من جميع أنحاء الامبراطورية العثمانية. أما أشكيناز أوروبا الشرقية فقد شهدت زيادة حادة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وفي الحرب العالمية الأولى 1914 الى 1918، طرد العثمانيون حوالي أحد عشر ألف يهودي اشكنازي من مدينة يشكوف، صبوا جميعهم في مصر، الشيء الذي ساهم في تضخم عدد اليهود القاطنين فيها. كل هؤلاء المهاجرون اليهود استقروا في القاهرة والإسكندرية.
من أهم الخصائص لدى يهود مصر هو تنوع التجانس الثقافي. انهم في الواقع استطاعوا الحفاظ على المميزات التاريخية والجغرافية لأصولهم. ابتداء من قاعدة الهرم الاجتماعي والاقتصادي، توصل اليهود المقيمون، ويشكلون نسبة (15 ٪) الانضمام إلى الثقافة المصرية والعربية، وأيضاً التحدث اللهجة العربية المصرية. وقد تركزت الجالية في الحي اليهودي في القاهرة. على نفس المستوى، حافظ اليهود من كافة الدول العربية في الامبراطورية العثمانية، وشمال أفريقيا واليمن، على نمط واحد من العيش، أوفياء لعاداتهم وتقاليدهم. وفي خارج القاهرة، تركز اليهود في المناطق الفقيرة من الاسكندرية وبورسعيد، من بين مناطق أخرى . أما طبقة اليهود الوسطى، فقد كانت تتكون من بعض العائلات من شمال افريقيا وسوريا أو العراق، التي شاركت في التجارة الدولية، ومن ثم انتمت إلى الطبقتين الوسطى والعليا في المجتمع، لأنها استطاعت استيعاب ثقافة الطبقات العليا المصرية. إضافة إلى ذلك، وفد يهود من شبه الجزيرة الأيبيرية، من اليوناني وإيطاليا، التي كان يهودها مشبعين بالثقافة الإيطالية، حتى في ظل النظام الفاشي1942-1944 .
تقسم طائفة السفاراد (اليهود الشرقيون) إلى مجموعات متباينة اجتماعياً واقتصادياً، هي جزء من المجتمع اليهودي ككل، مع محافظتها على هويتها في ممارسة طقوسها، ومعابدها ومنظماتها الخاصة بها. كما السفاراد ، شكل الأشكيناز مجموعات فرعية، لكل منها أعرافه وعاداته، كما حافظوا على التخاطب بلغة البلاد التي أتوا منها. مع ذلك، كانت تجمعهم جميعاً لحمة اللغة المشتركة (اليديش)، التي يتحدثها 90 ٪ منهم.
بعد الحرب العالمية الأولى، انضم اليهود إلى حزب الوفد السياسي اليساري. وبعضهم ناضل من أجل استقلال مصر وإنهاء الاحتلال البريطاني، مخاطرين بحياتهم ، مثل ديفيد هازان، الذي حكم عليه الانكليز بالموت في عام 1923.
وكانت رابطة الشباب اليهود في مصر تعمل الى جانب حزب الوفد. أما الحزب الشيوعي في مصر، فقد تأسس في أوائل 1920 ، وتجذر في حركة الشباب اليهودي الاشتراكية المسماة بوند، والتي تأسست في عام 1905 من قبل يهود الاشكيناز في القاهرة. ورأى يهود مصر في الخطاب السياسي الماركسي حلاً لمشاكل المجتمع، وهوية وطنية تقوم على العلمانية. بعض اليهود وصل الى البرلمان المصري وكان جزءاً منه حتى عام 1960 ، وتحديداً فيهم رئيس الحاخامات، حاييم ناحوم.
وصول هتلر الى السلطة في عام 1933، قلب هذا التوازن بين اليهود والمصريين، حين حقق هتلر والنازية المعادية للسامية مكاسب بين المجتمع الألماني في مصر، وهذا ما تسببت في تشكيل اليهود لجميعات من أجل مكافحة معاداة السامية. كان من شأن هذه الأخيرة، تحقيق نجاح محدود في ألمانيا منذ 1930، ذلك أن المانيا كانت شريكا اقتصاديا هاما لمصر.
بسبب التمدد الألماني في شمال أفريقيا نحو مصر، لجأ اليهود إلى القاهرة. فشاركوا في استعدادات الحرب ، سواء عن طريق القتال الى جانب جيوش الحلفاء ، أو المشاركة في الدفاع المدني.
غداة الحرب العالمية الثانية، لم تكن الجالية اليهودية تبدي أي اهتمام بالصهيونية، من قريب أو بعيد. ولكن أحداث العنف الهامة التي وقعت في 2 نوفمبر 1945، في ذكرى وعد بلفور لصالح إنشاء وطن لليهود في فلسطين، غيرت مجرى اهتماماتهم. رافق اعمال الشغب هذه حرق المعابد اليهودية ونهب المحال التجارية في القاهرة، مما حدا بالحاخام الأكبر توجيه رسالة الى رئيس وزراء مصر، قائلاً بأن الجالية اليهودية تنأى بنفسها عن المطالبة بدولة يهودية في فلسطين .
تميزالنشاط الصهيوني، وإن كان قانونياً، بمستوى منخفض حتى عام 1947. يعود هذا الضعف جزئياً إلى وجود خلافات داخل الحركة، وهو ما يعكس الخلافات داخل المجتمع، التي لها صلة مباشرة بالتركيبة الاجتماعية والاقتصادية والتوترات العرقية بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين، والتعددية اللغوية.
بعد قيام دولة اسرائيل عام 1948، هاجر 20000 يهودي الى اسرائيل أو الى أوروبا، و20000 آخرون في عام 1957، إثر حملة السويس. وهزيمة مصر في حرب الأيام الستة في عام 1967 أدت إلى رحيل من كان قد بقي في مصر.