| جانب من ندوة العالم الإسلامي والغرب | في الوقت الذي تشتد فيه الحملات الظالمة ضد العرب والمسلمين، وبعدما بدا من أزمات وتوترات في العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب تمثلت في اتهامات من داخل الغرب للإسلام بأنه دين إرهاب، علاوة على أزمة الرسوم وتصريحات بابا الفاتيكان.. وإزاء كل ذلك تصدت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية لتلك الحملة في ندوتها "العالم الإسلامي والغرب.. ميراث الماضي والواقع المعاصر" على مدار ثلاثة أيام في الفترة من (3 - 5 إبريل 2007).
ولقد دارت محاور الجلسات الثماني حول إشكالية العلاقة بين الإسلام والغرب، والقراءات الغربية المتنوعة للإسلام، وانتقال ثقافة الكراهية للمناهج التعليمية في بعض الدول الغربية، ثم مستقبل العلاقة بين الغرب والإسلام، مع التأكيد على أن حوار الحضارات ضرورة للتطور البشري... إلخ. الإسلام شريكًا.. كيف؟ في مستهل الندوة أكد الدكتور عبد الغفار مكاوي على أن هناك بعض الأصوات العاقلة والمنصفة في الغرب والتي دائمًا تدعو أهل الغرب لتصحيح مفاهيمهم ومواقفهم تجاه الإسلام، واعتباره شريكًا ومشاركًا في مصير البشرية المعاصرة وليس عدوًّا ولا خطرًا على السلام والاستقرار العالميين، وحثهم على تدعيم الحوار الحر بين الأديان. ومن أشهر هؤلاء العلماء الغربيين "فريتس شتبات" الأمين العام السابق لجمعية المستشرقين الألمان. أما الدكتور محمد نصر مهنا -أستاذ العلوم السياسية- فأكد على أن هناك بعض المستشرقين والمؤرخين الغربيين الذين أسهموا إسهامًا إيجابيًّا في تسليط أضواء جديدة على جوانب شتى من تجديد الخطاب الديني - الإسلامي، ودراسة حركة الخطاب الديني دراسة صحيحة مستقيمة المنهج. وأشار أن من أهم إشكاليات تجديد الخطاب الديني هي الأحوال الداخلية للمسلمين والتي انعكست على خطاباتهم الدينية، خاصة في علاقاتهم الخارجية، إضافة إلى ظهور العديد من الفرق الإسلامية والتي كانت لها تأثيراتها السلبية على علاقات المسلمين بغيرهم. ورأى مهنا أن هناك حاجة إلى تجديد وتحديث الخطاب الديني وتخليصه من الشوائب التي علقت بها، انطلاقًا من أن الأديان السماوية في مجملها تشترك في نشأتها في الشرق وتتطابق رسالتها جوهريًّا، مع ضرورة مراعاة الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية -إلى جانب البُعْد الديني والحضاري- عند تجديد الخطاب الديني. وأشار محمود إسماعيل -أستاذ التاريخ الإسلامي- بأن نظرة الغرب للإسلام قد اختلفت حسب تطور العقلية الغربية ذاتها، فمن الرؤية الكنسية للإسلام واعتباره تطورًا بدويًّا لليهودية خلال المرحلة الإقطاعية -أو اعتباره إحدى هرطقات المسيحية الشرقية- نجد أن صورة الإسلام قد تحسنت عند الغربيين خلال عصر النهضة، حيث وضع "دانتي" النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المطهر، بينما وضع البابا والكرادلة في الدرك الأسفل، وعند فولتير -في عصر الأنوار- كان محمد صلى الله عليه وسلم عبقريًّا. ولكن مع القرن (19) بعد ترجمات القرآن الكريم إلى لغات أجنبية بدأ الاهتمام بالدراسات الشرقية لأهداف استعمارية، ومع أوائل القرن (21) بدأت الحملة الظالمة ضد الإسلام وذلك في إطار المشروع الأمريكي - الصهيوني لأهداف استعمارية وتوسعية، وطمعًا في الثروات العربية والإسلامية. لكن المؤرخ المغربي الدكتور عبد الكريم مدون دعا إلى ضرورة دراسة آليات تكوين الذات العربية ومدى تأثرها ثقافيًّا بالمعطيات الداخلية كالدين والعقيدة، والمعطيات الخارجية خاصة فيما يتعلق بالعولمة الاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية، مع دراسة أوجه الاختلاف فيما بينها وبين الذات الغربية (الآخر) أو الأوروبية، لخلق نوع من الحوار فيما بينهما، ولتحويل الشخصية العربية إلى مؤسسة فاعلة ومدافعة في إطار الانفتاح والعولمة. وأشار المؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي أن الغرب الأوروبي في إطار الصراع مع الدولة العثمانية، وقف بجانب الفكرة الصهيونية لتقليص الدولة العثمانية في آسيا الصغرى، أما حديثًا فتحاول أوروبا وأمريكا زرع ثقافة الكراهية لتنشئة أجيالها المتتالية على كراهية الشرق الإسلامي والعربي، وذلك بتقديم صورة خاطئة عن الإسلام والمسلمين مع التركيز على السلبيات السلوكية من خلال التعليم في المدارس خصوصًا في المراحل الأولى. فرنسا.. وروحانية الإسلام الدكتورة ليلى عنان -أستاذة الحضارة الفرنسية- أشارت إلى أن فولتير كان من أشد المدافعين عن الإسلام في القرن (18) كرد على ادعاءات وافتراءات الكنيسة ضد الإسلام، وأكدت أن نابليون بونابارت كان من أشد المعجبين بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن زيارات الفرنسيين زادت إلى مصر والشرق الأوسط؛ ولعل ذلك يتضح في كتاب الشاعر "جيرار دي نرفال" (رحلة إلى الشرق). ورأى الدكتور عبد المنعم الجميعي -أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر- أنه إذا كان هناك جيل من المفكرين والفلاسفة والعلماء والمؤرخين قد اهتم بالحوار الفكري وبنشوء الحضارات وعوامل ازدهارها (أمثال عبد الرحمن بن خلدون، أرنولد تويني)، إلا أن هناك جيلاً آخر يروّج لفكرة صراع الحضارات أمثال فوكوياما، وبرنارد لويس، وصموئيل هنتنجتون؛ كما أن أحداث 11 سبتمبر 2001 أدت إلى رواج هذه الفكرة والعمل على ربط الإرهاب بالإسلام، مع زيادة الدعوات إلى كراهية العرب والمسلمين. وطالب الجميعي بضرورة التعايش والحوار، وإيجاد المناخ الثقافي لقبول الآخر، ومدّ الجسور بين الحضارات، على أن يتحلى الجميع بالاحترام المتبادل وبالمصارحة الحضارية والاعتراف بقيم مشتركة تحت شعار تنوع الثقافات، وذلك كله من أجل خلق مجتمع عالمي جديد قوامه التفاهم والاحترام المتبادل. الدكتورة هدى أباظة -أستاذة الأدب الفرنسي- فترى أن للمفاهيم النظرية عن الآخر والمتمثلة في تصنيفات مثل الإنسان الشرقي أو الإنسان الغربي هي التي عمقت الهوة بين القطبين فيصبح الشرق موغلاً في طابعه الشرقي، كما يصبح الغربي موغلاً في طابعه. ورأت أن الشرق كان الجار المباشر لأوروبا قد أسس حضارة لم تعرضها أوروبا من قبل في الأندلس، إلا أن الشرق قد تخلف عن ركب التقدم وأصبح محط أطماع الدول الاستعمارية التي حاولت أن تغلف أطماعها الإمبريالية في ثوب المهمة الحضارية. الدكتور علي السيد علي -أستاذ التاريخ الوسيط- رأى أن الحروب الصليبية أو حروب الفرنج والتي اتخذت من الشام ومصر وتونس ميدانًا لها لا تزال مستودعًا للحوار الحضاري والذي هو في جوهره سياسي، وعسكري في مظهره. الدكتور حاتم الطحاوي -متخصص في التاريخ الوسيط- فأكد أنه لا يمكن عزل الجدل الديني بين المسيحية والإسلام عن سياقه التاريخي وعن المناخ السياسي والعسكري والثقافي السائد. دفاع عن الاستشراق احتل محورا الاستشراق حيزًا مهمًّا من أعمال الندوة، وأشار الدكتور محمد عاطف العراقي -أستاذ الفلسفة الإسلامية- إلى أن هناك العديد من المستشرقين قد أسدوا خدمات جليلة للتراث العربي والإسلامي ومنهم "الأب موريس بويج" الذي قام بتحقيق (كتاب ابن رشد) وغيره من فلاسفة العرب، علاوة على مساهمات ماسينيون ورينان وآسين بلاثيوس وجولد تسيهر... إلخ. ودعا العراقي إلى تحليل آراء هؤلاء المستشرقين على أساس العقل وليس على أساس الخطابة والمبالغة على نحو ما قام به الشيخ محمد عبده ومحمد حسين هيكل والعقاد.. وغيرهم. ولفت الدكتور مجدي عبد الحافظ -أستاذ الفلسفة الحديثة- الانتباه إلى العديد من المزايا الإيجابية للاستشراق؛ ومنها قيامه برسم طريق جديد في مقاربة التاريخ واللغة والفكر العربي عمومًا. أما أحمد الشيخ -وهو كاتب مصري مقيم في فرنسا- فقدم رؤية مغايرة لإيجابيات الاستشراق، معتبرًا أنه كان ذراعًا فكرية للاستعمار حتى يفهم العالم العربي وثقافات وعادات وديانات الشعوب المرشحة للوقوع تحت نيره. وفيما يتعلق بدور المستشرقين في دراسة الوثائق فأشار الدكتور أحمد المصري -متخصص في الوثائق- إلى أن بداية اهتمام المستشرقين بدراسة الوثائق الإسلامية في القرن (17) وكان لهم دور مهم في دراسة نماذج فريدة من الوثائق في العالم العربي، وخاصة في دير سانت كاترين والذي قام بنشرها بعض المستشرقين الألمان. بين المواجهة والمراجعة دعا الدكتور مبارك أمين -مدرس التاريخ بجامعة ابن زهر بالمغرب- إلى إجراء نوع من المناظرات والمواجهات بين علماء الغرب والعالم الإسلامي، مع مراجعة السياق التاريخي لمثيلاتها عبر العصرين الوسيط والحديث، وذلك حتى يمكن فهم الواقع الحاضر للعلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي، ورسم صورة للمستقبل قائمة على الحوار والتفاهم. وحذرت الدكتورة يمنى الخولي -أستاذة الفلسفة الحديثة- من وجود العديد من المحاولات الغربية الصهيونية لتحجيم الإسلام والحضارة الإسلامية والقضاء على القومية العربية مثلما حدث في القرن (20). أما الدكتور محيي الدين صالح -عميد المعهد الإسلامي في فرجينيا الشمالية- فأكد على أن المسار الفكري للعلاقات الغربية مع العالم العربي والإسلامي، يوضح جليًّا بأن هناك سوء نية من الطرف الأول (الغرب) في كثير من المسائل المتعلقة بنظرته للعالم الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بالاستشراق أو حوار الحضارات أو التحالفات أو حتى العولمة؛ ورأى أن للعولمة إسقاطات متعددة على رأس الحضارة العربية والإسلامية، ومنها: محاولة تهميش دور المسلمين في كل المحافل، والسيطرة على المقدرات التنموية والتقنية، واحتكار التصنيع العسكري. |